﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ الناس ﴾ [ النساء : ٥٤ ] يعني محمداً وحده، وإنما جاز إطلاقُ لفظِ « الناس » على الواحد؛ لأن الإنسانَ الواحدَ إذا كان له أتباع يقولون مثل قوله، أو يَرْضَونَ بقوله فإنه يحسن -حينئذٍ- إضافة ذلك الفعل إلى الكل، قال تعالى :﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادارأتم فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٧٢ ] وقال :﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ﴾ [ البقرة : ٥٥ ] وهم لم يفعلوا ذلك، وإنما فعله أسلافهم، إلا انهم لما تابعوهم وصوَّبوا فِعْلَهُمْ، حَسُن إضافة ذلك إليهم.
وقال ابنُ عَبَّاس، ومحمد بن إسحاقَ، وجماعة : أراد بالنَّاسِ : الرَّكْبَ من بني عبد القيسِ « قد جمعوا لكم » يعني أبا سفيان وأصحابه.
وقال السُّدِّيُّ : هم المنافقون، قالوا للمسلمين -حين تجهزوا للمسير إلى بدر لميعاد أبي سفيان- : القوم قد أَتَوْكُمْ في دياركم، فقتلوا أكثركم، فإن ذَهَبْتُمْ إليهم لم يَبْقَ منكم أحدٌ، لا سيما وقد جمعوا لكم جَمْعاً عظيماً « فاخشوهم » أي : فخافوهم.
قوله :﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾ في فاعل « فزادهم » ثلاثة أوجهٍ :
الأول -وهو الأظهرُ- : أنه ضميرٌ يعود على المصدر المفهوم من « قال » أي فزادهم القول بكيتَ وكيتَ إيماناً، كقوله :﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ].
الثاني : أنه يعود على المقول -الذي هو ﴿ إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم ﴾ كأنه قيل : قالوا لهم هذا الكلام فزادهم إيماناً.
الثالث : أنه يعود على « الناس » إذا أريد به فَرْدٌ واحد -كما نُقِلَ في سبب النزول- وهو نعيم بن مسعود الأشْجَعِيّ.
واستضعف أبو حيّان الوجهين الأخيرَيْنِ، قال :« وهما ضعيفانِ؛ من حيثُ إنّ الأولَ لا يزيد إيماناً إلا النطقُ به، لا هو في نفسه، ومن حيثُ إنّ الثاني إذا أطلقَ على المفرد لفظ الجمع مجازاً فإن الضمائر تجري على ذلك الجمع، لا على المفرد. تقول : مفارقة شابت -باعتبار الإخبار عن الجمع- ولا يجوز : مفارقة شاب- باعتبار : مَفْرِقُهُ شَابَ ».
قال شهابُ الدّين :« وفيما قاله نَظَر؛ لأن المقولَ هو الذي في الحقيقة حصل به زيادة الإيمان- وأما قولُهُ : تجري على الجمع، لا على المفرد، فغير مُسَلَّم، ويعضده أنهم نَصُّوا على أنه يجوز اعتبار لفظ الجمع الواقع موقع المُثَنَّى تارةً، ومعناه تارةً أخْرَى، فأجازوا : رؤوس الكبشينِ قطعتهن، وقطعتهما، وإذا ثبت ذلك في الجمع الواقع موقع المثنى، فليَجز في الواقع موقع المفرد. ولقائلٍ أن يفرق بينهما، وهو أنه إنما جاز أن يراعى معنى التثنية -المعبر عنها بلفظ الجمع- لقربها منه؛ من حيثُ إنّ كلاً منهما فيه ضم شيء إلى مثله. بخلاف المفرد، فإنه بعيدٌ من الجمع؛ لعدم الضمِّ، فلا يلزمُ من مراعاة معنى التثنية في ذلك مراعاة معنى المفردِ.

فصل


قال أبو العَبَّاس المُقْرئ : لفظ »
الوكيل « في القرآن على وجهين :
الأول : بمعنى المائع -كهذه الآية- ومثله قوله :


الصفحة التالية
Icon