فصل في ورود الخوف في القرآن الكريم


ورد الخوف على ثلاثةِ أوجهٍ :
الأول : الخوفُ بعينه، كهذه الآية.
الثاني : الخوف : القتال، قال تعالى :﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾ [ الأحزاب : ١٩ ] أي : إذا ذهب القتال.
الثالث : الخوف : العِلْم، قال تعالى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] وقوله :﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٥١ ]. أي : يعلمون وقوله :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ [ النساء : ٣٥ ] أي : علمتم.
وقوله :﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ جوابه محذوف، أو متقدم -عند مَنْ يرى ذلك- وهذا من باب الإلهاب والتهييج. إلا فهم ملتبسون بالإيمان.
قوله :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الذين ﴾ قرأ نافع « يُحزنك » -بضم حرف المضارعة- من « أحزن » -رباعياً- في سائر القرآن إلا التي في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] فإنه كالجماعة. والباقون بفتح الباء- من « حزنه » ثلاثياً- فقيل : هما من باب ما جاء فيه فَعَل وأفْعَل بمعنى.
وقيل : باختلاف معنى، فَحَزَنَه : جَعَل فيه حُزْناَ- نحو : دهنه وكحله، أي : جعل فيه دهناً وكحلاً -وأحزنته : إذا جعلته حزيناً. ومثل حَزَنَه وأحْزَنَه فَتَنَه وأفتَنَه، قال سيبويه :« وقال بعضُ العربِ : أحزنت له الحُزْن، وأحزنته : عرَّضته للحُزْن. قاله أبو البقاء وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة في » البقرة «.
قال شهابُ الدينِ :»
والحق أن حزنه لغتان فاشيتان، لثبوتهما متوازتين -وإن كان أبو البقاء قال : إن أحزن لغة قليلة، ومن عجيب ما اتفق أن نافعاً -C- يقرأ هذه المادة من « أحزن » إلا التي في الأنبياء -كما تقدم- وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرأها من « حزنه » -ثلاثياً- إلا التي في الأنبياء، وهذا من الجمع بين اللغتين، والقراءة سنة مُتَّبَعَة «.
وقرأ الجماعة :»
يسارعون « بالفتح والإمالة، وقرأ النحوي » يسرعون « -من أسرع- في جميع القرآن، قال ابن عطيةَ :» وقراءة الجماعة أبلغ؛ لأن مَنْ يسارع غيرَه أشد اجتهاداً من الذي يُسرع وحده «.
قوله :﴿ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً ﴾ في نصب »
شيئاً « وَجْهَانِ :
أحدهما : أنه مصدر، أي : لا يضرونه شيئاً من الضرر.
الثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض، أي : لن يضروه بشيء. وهكذا كل موضع أشبهه ففيه الوجهان.

فصل


اختلفوا في هؤلاء المسافرين فقال الضَّحَّاك : هم كفار قريش، وقال غيره : هم المنافقون؛ يسارعون في الكفر مظاهرةً للكفار »
إنهم لن يضروا الله « بمُسارعتهم في الكُفْر.
وقيل : إن قوماً من الكفار أسلموا، ثم ارتدوا؛ خوفاً من قريش، فوقع الغمُّ في قَلْبِ الرسول ﷺ بذلك السبب فإنه ﷺ ظن أنهم بسبب تلك الرِّدَّة يُلحِقون به مَضَرَّة، فبيَّن -تعالى- أن ردَّتَهم لا تؤثر في لُحُوقِ ضررٍ بك.
قال القاضي : ويقوى هذا الوجه بأن المستمر على الكفر لا يوصَفُ بأنه يسارعُ في الكفرِ، وإنما يُوصَف بذلك مَنْ يكفر بعد الإيمان.


الصفحة التالية
Icon