وَقَبُول : من المصادر التي جاءت على « فَعُول » - بفتح الفاء - قال سيبويه : خمسة مصادر جاءت على « فَعُول » قَبُول، وطَهُور، ووَقُود، ووَضُوء، وولُوع، إلا أن الأكثر في الوقود - إذا كان مصدراً - الضَّمّ، يقال : قَبلتُ الشيءَ قَبُولاً، وأجاز الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ ضم القافِ من قَبُول وهو القياس، كالدخولِ والخروجِ، وحكاها ابنُ الأعرابي عن الأعراب : قبلت قَبُولاً - بفتح القافِ وضمها - سماعاً، وعلى وجهه قُبُول - لا غير - يعني لم يُقَل هنا إلا بالضم، وأنشدوا :[ السريع ]

١٤٢٠- قَدْ يُحْمَدث الْمَرْءُ وَإنْ لَمْ يُبَلْ بالشّرِّ وَالْوَجْهُ عَلَيْهِ الْقُبُولْ
بضم القاف - كذا حكاه بعضهم.
قال الزَّجَّاجُ : إن « قَبُولاً » هذا ليس منصوباً بهذا الْفِعْلِ حتى يكونَ مصدراً على غير المصدر، بل هو منصوب بفعل موافقٍ له، - أي : مجرداً - قال : والتقدير : فتقبلها بتقبُّلٍ حَسَنٍ، وقَبِلَها قبولاً حَسَناً، أي : رضيها، وفيه بُعَدٌ.
والوجه الثاني : أن الياء ليست بزائدة، بل هي على حالها، ويكون المرادُ بالقبول - هنا - اسماً لما يقبل به الشيءُ، نحو اللدود، لما يُلَدُّ به. والمعنى بذلك اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكرِ في النذر.

فصل


في تفسير ذلك القبولِ الْحَسَنِ وجوهٌ :
أحدها : أنه - تعالى - استجاب دعاءَ أمِّ مريمَ، وعصمها، وعصم ولدَهَا عيسى - عليه السلام - من الشيطان.
روى أبو هريرةَ أن رسولَ الله ﷺ قال :« مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلاَّ والشَّيْطَانُ يَمَسه - حِيْنَ يُولَدُ - فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إلاَّ مَرْيَمَ وَابنها »، ثم قال أبو هريرة : اقرَأُوا - إنْ شِئْتُمْ - ﴿ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم ﴾، طعن القاضي في هذا الخبر، وقال : إنه خبر واحد على خلاف الدَّليلِ؛ وإنما قلنا : إنه على خلاف الدليل لوجوهٍ :
الأول : أن الشيطان إنما يدعو إلى الشَّرِّ مَنْ يَعْرف الخير والشر، والطفل المولود ليس كذلك.
الثاني : أن الشيطان لو تمكَّن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك - من إهلاك الصالحين، وإفساد أحوَالهم.
الثالث : لِمَ خَصَّ - بهذا الاستثناء - مريم وعيسى - عليهما السلام - دون سائر الأنبياء؟
الرابع : أن ذلك المس لو وُجِدَ بَقِيَ أثَرهُ، ولو بقي أثره لدام الصُّرَاخُ والبُكاءُ، فلمَّا لم يكن كذلك علمنا بُطْلانَهُ.
الوجه الثاني - في معنى القبول الحسن- : ما رُوِيَ أن حَنَّةَ - حين ولدت مريمَ - لفَّتْها في خِرْقَةٍ وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون - وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة - وقالت : خذوا هذه النذيرةَ، فتنافسوا فيها؛ لأنها كانت بنت إمامهم، فقال لهم زكريَّا : أنا أحق بها؛ عندي خالتها، فقالوا : لا، حتى نقترع عليها، فانطلقوا - وكانوا سبعةً وعشرين - إلى نهرٍ جارٍ.


الصفحة التالية
Icon