قوله :﴿ رَبَّنَآ ﴾ هذه الجملة في محل نصب بقول محذوف، تقديره : يقولون، والجملة القولية فيها وجهان :
أظهرهما : أنها حال من فاعل « يَتَفَكَّرُونَ » أي : يتفكرون قائلين قائلين ربنا، وإذا أعربنا « يَتَفَكَّرُونَ » حالاً -كما تقدم- فيكون الحالان متداخلين.
والوجه الثاني :« هَذَا » إشارة إلى الخلق، إن أريد به المخلوق، وأجاز أبو البقاء -حال الإشارة إليه ب « هذا » - أن يكون مصدراً على حاله، لا بمعنى المخلوق، وفيه نظرٌ.
أو إلى السّموات والأرض -وإن كانا شيئين، كل منهما جمع -لأنهما بتأويلِ هذا المخلوق العجيب، أو لأنهما في معنى الجَمْعِ، فأشير إليهما كما يُشار إلى لفظِ الجمعِ.
قوله :« بَاطِلاً » في نصبه خمسةُ أوجهٍ :
أحدها : أنه نعت لمصدر محذوف، أي : خَلْقاً باطلاً، وقد تقدم أن سيبويه يجعل مثل هذا حالاً من ضمير ذلك المصدر.
الثاني : أنه حالٌ من المفعولِ به، وهو « هَذَا ».
الثالث : أنه على إسقاطِ حرفٍ خافضٍ -وهو الباء- والمعنى : ما خلقتهما بباطلٍ، بل بحَقٍّ وقُدْرَةٍ.
الرابع : أنه مفعول من أجله، و « فاعل » قد يجيء مصدراً، كالعاقبة، والعافية.
الخامس : أنه مفعولٌ ثانٍ ل « خلق » قالوا : و « خلق » إذا كانت بمعنى « جَعَلَ » التي تتعدى لاثنين، تعدّت لاثنين. وهذا غيرُ معروفٍ عند أهلِ العربيةِ، بل المعروف أن « جعل » إذا كانت بمعنى « خلق » تعدت لواحدٍ فقط.
وأحسن هذه الأعاريب أن تكون حالاً مِنْ « هَذَا » وهي حالٌ لا يُسْتَغنَى عَنْهَا؛ لأنها لو حُذِفَتْ لاختلَّ الكلامُ، وهي كقوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾ [ الدخان : ٣٨ ].
قوله :﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ تقدم إعرابه، وهو معترض بين قوله :﴿ رَبَّنَآ ﴾ وبين قوله :﴿ فَقِنَا ﴾.
وقال أبو البقاء :« دخلت الفاء لمعنى الجزاءِ، والتقدير : إذا نَزهناك، أو وحَّدْناك فقنا ».