﴿ فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ ﴾ [ غافر : ٧ ].
الثاني : أنَّ وعدَ اللهِ لا يتناول آحاد الأمة بأعيانهم، بل بحسب أوصافهم، فإنه -تعالى- وعد المتقين بالثوابِ، ووعد الفُسَّاقَ بالعقاب، فقوله :﴿ وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ﴾ معناه : وفَّقْنا للأعمال التي نصير بها أهلاً لوعدك، واعصمْنا من الأعمال التي نصير بها أهلاً للعقابِ والخِزْي.
الثالث : أن اللهَ -تَعَالَى- وعد المؤمنينَ بأن ينصُرَهُمْ في الدُّنُيَا على أعدائِهِم، فهُم طلبوا تعجيل ذلك.

فصل


دلَّت الآية على أنَّهُم إنَّمَا طلبوا منافعَ الآخرةِ بحُكْم الوعدِ لا بحُكْم الاستحقاق؛ لقولهم :﴿ وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ ﴾ ثم قالوا :﴿ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد ﴾ وهذا يدلُّ على أنَّ المقتضي لحصول منافع الآخرةِ هُوَ الوَعْدُ لا الاستحقاقُ.
فإن قيلَ : متى حصل الثوابُ لزم اندفاعُ العقابِ لا محالةَ، فلما طلبوا الثَّوابَ بقولهم :﴿ وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ﴾ كيف طلبوا ترك العقاب بقولهم :﴿ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة ﴾ بل لو طلب ترك العقاب -أولاً- ثم طلب الثَّوابَ بعده لاستقام الكلامُ؟
فالجوابُ من وجهينِ :
الأول : أن الثَّوابَ شرطه أن يكون منفعة مرونة بالتعظيم والسرور، فقوله :﴿ وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ﴾ المراد منه المنافعُ وقوله :﴿ وَلاَ تُخْزِنَا ﴾ المرادُ منه التعظيمُ.
الثاني : ما تقدم من أنَّ المقصودَ طلب التوفيق إلى الطاعة، والعصمة عن المعصية، كأنه قيل : وفقنا للطاعات، وإذا وفقتنا فاعصمنا عما يبطلها، ويوقعنا في الخزي. وعلى هذا يحسن النظم. و « الميعاد » مصدر بمعنى الوَعْد.
قوله :﴿ يَوْمَ القيامة ﴾ فيه وجهان :
الأول : أنه منصوب ب ﴿ وَلاَ تُخْزِنَ ﴾.
والثَّاني : أنه أجاز أبو حيَّان أن يكونَ من باب الإعمالِ؛ إذ يصلح أن يكون منصوباً ب ﴿ وَلاَ تُخْزِنَ ﴾ وب ﴿ وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ﴾ إذا كان الموعود به الجنة.


الصفحة التالية
Icon