﴿ فاستجاب ﴾ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فالذين هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ثَوَاباً مِّن عِندِ الله والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب ( * ) ﴿ ﴾ بمعنى : أجَابَ ويتعدى بنفسه وباللام، وتقدم تحقيقه في قوله :﴿ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ﴾.
ونقل تاج القراء أن « أجَابَ » عام، و « اسْتَجَابَ » خاص في حصول المطلوب.
قال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم. وقال جعفر الصادق : من حزبه أمرٌ فقال خمس مرات « ربَنا » نجّاه مما يخاف، وأعطاه ما أراد، قيل : وكيف ذلك؟ قال اقرءوا :﴿ الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ] إلى قوله :﴿ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد ﴾ [ آل عمران : ١٩٤ ].
قوله تعالى :﴿ أَنِّي لاَ أُضِيعُ ﴾ الجمهور على فتح « أن » والأصل : بأني، فيجيء فيها المذهبان، وقل أن يأتي على هذا الأصل، وقرأ عيسى بن عمر بالكسر، وفيها وجهان :
أحدهما : على إضمار القول أي : فقال : إني.
والثاني : أنه على الحكاية ب « استجاب » ؛ لأن فيه معنى القول، وهو رأي الكوفيين.
قوله :« لا أضيع » الجمهور على « أضيع » من أضاع، وقرئ بالتشديد والتضعيف، والهمزة فيه للنقل كقوله :[ الطويل ]

١٧١٧- كمُرْضِعَةٍ أوْلاَدَ أخْرَى وَضَيَّعَتْ بَنِي بَطْنِهَا هَذَا الضَّلالُ عَنِ الْقَصْدِ
قوله :« منكم » في موضع جر صفة ل :« عامل »، أي : كائناً منكم.
قوله :« من ذكر وأنثى » فيه خمسة أوجهٍ :
أحدها : أن « مِنْ » لبيان الجنسِ، بيِّن جنس العامل، والتقدير : الذي هو ذكرٌ أو أنثى، وإن كان بعضهم قد اشترطَ في البيانيةِ أن تدخلَ على معرَّفٍ بلامِ الجنسِ.
ثانيها : أنَّهَا زائدةٌ، لتقدم النفي في الكلام، وعلى هذا فيكون ﴿ مِّن ذَكَرٍ ﴾ بدلاً من نفس « عَامِلٍ »، كأنه قيل : عامل ذكر أو أنثى، ولكنْ فيه نظرٌ؛ من حيثُ إنَّ البدلَ لا يُزاد فيه « من ».
ثالثها : أنها متعلقة بمحذوف؛ لأنها حالٌ من الضمير المستكن في « مِنْكُمْ » ؛ لأنه لما وقع صفة تحمَّل ضميراً، والعامل في الحال العامل في « مِنْكُمْ » أي : عامل كائن منكم كائناً من ذكر.
رابعها : أن يكون « مِنْ ذكرٍ » بدلاً من « مِنْكُمْ » ؛ قال أبو البقاء :« وهو بدلُ الشيء من الشيء، وهما لعين واحدة ».
يعني فيكون بدلاً تفصيليًّا بإعادة العامل، كقوله :﴿ لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٧٥ ] وقوله :﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ ﴾ [ الزخرف : ٣٣ ] وفيه إشكالٌ من وجهينِ :
الأول : أنه بدل ظاهر من حاضر في بدل كل من كل، وهو لا يجوز إلا عند الأخفش، وقيَّد بعضُهم جوازه بأن يفيد إحاطة، كقوله :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon