فصل


قيل : المراد بها الجمع؛ إذ المقصود التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله تعالى المُنَزَّلة فعبَّر عن الجمع ببعضه، ومثل هذا قول النبي ﷺ :« أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ » حيثُ قال :[ الطويل ]
١٤٣٤- ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِل .................................
وذكر جابر - رضي الله عنه - الحُوَيْدِرَة فقال : لَعَنَ اللهُ كلمته - يعني قصيدته.
وقال الجمهور : الكلمة : هي عيسى عليه السلام.
قال السديُّ : لقيت أمُّ عيسى، أمَّ يَحيى - وهذه حامل بعيسى، وتلك حامل بيحيى - فقالت أم يحيى : أشعَرْتِ أني حُبْلَى؟ : فقالت : مريم : وأنا - أيضاً - حُبْلَى، قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله :﴿ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله ﴾.
قال القرطبيُّ :« رُوِيَ أنها أحسَّت بجنينها يَخِرّ برأسه إلى ناحية بطن مريم ».
وقال ابن عبّاسٍ : إن يحيى كان أكبر سِنًّا من عيسى بستةِ أشهر.
وقيل : بثلاث سنين، وكان يحيى أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروحه.
وسمي عيسى عليه السلام كلمة. قيل : لأنه خُلِقَ بكلمة من الله ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ من غير واسطة أب فسمي لهذا كلمة - كما يسمى المخلوق خَلْقاً، والمقدور قُدْرة، والمرجُوُّ رجاءً، والمشتَهَى شهوةً - وهو باب مشهور في اللغة.
وقيل : هو بشارة اللهِ مريم بعيسى - بكلامه على لسان جبريل عليه السَّلام.
وقيل : لأنه تكلم ف يالطفوليَّة، وأتاه الكتاب في زَمَنِ الطفوليَّةِ، فلهذا كان بالغاً مبلغاً عظيماً، فسُمِّيَ كلمة كما يقال : فلان جود وإقبال - إذا كان كاملاً فيهما.
وقيل : لما وردت البشارةُ به في كتب الأنبياء قبله، فلما جاء قيل : هذا هو تلك الكلمة - كما إذا أخبر عن حدوث أمر، فإذا حَدَث ذلك الأمر، قال : قد جاء قولي، وجاء كلامي - أي : ما كنت أقول، وأتكلم به - ونظيره قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار ﴾ [ غافر : ٦ ] وقوله :﴿ ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين ﴾ [ الزمر : ٧١ ].
وقيل : لأن الإنسان قد يُسَمَّى ب « فضل الله » و « لطف الله » وكذلك عيسى كان اسمه كلمة الله وروح الله.
واعلم أن كلمة الله - تعالى - كلامه، وكلامه - على قول أهل السنة - صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاته وفي قول المعتزلة : صفة يخلقها الله في جسم مخصوص، دالة بالوضع على معاني مخصوصة.
وضروريّ حاصل بأن الصفة القديمة، أو الأصوات التي هي أعراض غير باقية يستحيل أن يقال : إنها ذات عيسى، ولما كان ذلك باطلاً في بداهة العقول، لم يَبْقَ إلا التأويل.


الصفحة التالية
Icon