قوله :﴿ مِّنَ الله ﴾ في محل جر؛ صفة ل « كَلِمَةٍ » فيتعلق بمحذوف، أي : بكلمة كائنة من الله ﴿ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً ﴾ أحوال أيضاً - كمصَدِّقاً. والسيد : فَيْعِل، والأصل سَيْود، ففُعِلَ به ما فعل ب « ميت »، كما تقدم، واشتقاقه من سَادَ، يَسُودُ، سِيَادَةً، وسُؤدُداً - أي فاق نظراءه في الشرف والسؤدد.
ومنه قوله :[ الرجز ]

١٤٣٥- نَفْسٌ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَاما وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ والإقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ بطلاً هُمَامَا
وجمعه على « فَعَلَة » شاذ قياساً، فصيح استعمالاً؛ قال تعالى :﴿ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ].
وقال بعضهم : سُمي سيِّداً؛ لأنه يسود سَوَاد الناس أي : مُعْظَمهم وجُلَّهم. والأصل سَوَدَة، و « فَعَلَة » لِ « فاعِل » نحو كافِر وكفرة، وفاجِر وفَجَرَة، وبارّ وبررة.
وقال ابن عباس : السَّيِّد : الحليم.
قال الجبائي : إنه كان سيداً للمؤمنين، ورئيساً لهم في الدين - أعني : في العلم والحلم والعبادة و الورع.
قال مجاهدٌ : السَّيِّد : الكريم على الله تعالى.
وقال ابن المُسَيِّبِ : السيِّد : الفقيه العالم.
وقال عكرمة : السيد : الذي لا يغلبه الغضبُ.
وقيل : هو الرئيس الذي يتبع، ويُنتَهَى إلى قولهِ.
وقال المفضل : السيد في الدين.
وقال الضحاك : الحسن الخلق.
وقال سعيد بن جبير : هو الذي يُطيع ربَّه.
ويقول عن الضَّحَّاكِ : السيد : التقِيّ.
وقال سفيان : الذي لا يحسد.
وقيل : هو الذي يفوق قومَه في جميع خصال الخيرِ.
وقيل : هو القانع بما قسم الله له.
وقيل : هو السَّخِيّ.
قال رسول الله ﷺ « مَنْ سَيدُكُمْ يَا بَنِي سَلمةَ » ؟ قالوا : جَد بن قَيْس على بُخْلِه، فقال :« وأي دواء أدوى من البخل، لكن سَيِّدَكم عمرو بن الجموح » وفي الآية بذلك دليل على جواز تسمية الإنسان سيداً كما تجوز تسميته عزيزاً وكريماً. وقال ﷺ لبني قريظة :« قوموا إلى سيِّدكم ».
وقال - في الحسن - :« إن ابني هذا سَيِّدٌ، فلعلَّ اللهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْن عَظِيْمَتين من المسلمين ».
قال الكسائي : السيّد من المَعْز :[ الْمُسِّن ]. وفي الحديث :« الثَّنِيُّ من الضَّأن خير من السَّيِّد مِن الْمَعْزِ الْمُسِنّ ».
وقال الشاعر :[ الطويل ]
١٤٣٦- سَوَاءٌ عَلَيْهِ شَاةُ عَامٍ دَنَت لَهُ لِيَذْبَحَهَا للِضَّيْفِ أمْ شَاةُ سَيِّد
والحصور : فعول للمبالغة، مُحَوَّل من حاصر، كضروب.
وفي قوله :[ الطويل ]
١٤٣٧- ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمَانِهَا إذَا عَدِمُوا زاداً فَإنَّكَ حَاصِرُ
وقيل : بل هو فَعُول بمعنى : مفعول، أي : محصور، ومثله ركوب بمعنى : مركوب، وحلوب بمعنى : محلوب.
والحصور : الذي يكتم سره.
قال جرير :[ الكامل ]
١٤٣٨- وَلَقَدْ تَسَقَّطَنِي الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا حَصِراً بِسِرِّكِ يَا أمَيْمَ ضَنِينَا
وهو البخيل - أيضاً - قال :[ البسيط ]
١٤٣٩-............................. لاَ بِالْحَصُورِ وَلاَ فِيهَا بِسَئّارِ
وقد تقدم اشتقاق هذه المادة وهو مأخوذ من المنع؛ وذلك لأن الحصور هو الذي لا يأتي النساء - إما لطبعه على ذلك، وإما لمغالبته نفسه - قال ابنُ مسعودٍ وابن عبَّاس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء والحسن : الحصور : الذي لا يأتي النساء ولا يقربُهُنَّ، وهو - على هذا - بمعنى فاعل، يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات.


الصفحة التالية
Icon