قال سعيد بن المُسيِّبِ هو العِنِّين الذي لا ماء له، فيكون بمعنى « مفعول » كأنه ممنوع من النساء.
واختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد - مثل الشروب والظلوم والغشوم - والمنع إنما يحصل إذا كان المقتضي قائماً، والدفع إنما يحصل عند قوة الداعية والرغبة والغِلْمَة. والكلام إنما خرج مخرج الثناء وأيضاً فإنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء - والصفة التي ذكروها صفة نقص، وذكر صفة النقصان في معرِض المدحِ، لا يجوز، ولا يستحق به ثواباً ولا تعظيماً.
فصل
احتجَّ بعضُهم - بهذه الآية - على أن ترك النكاح أفضل؛ لأنه - تعالى - مدحه بترك النكاح، فيكون تركه أفضل في تلك الشريعة، فيجب أن يكون الأمر كذلك في شريعتنا؛ للنص والمعقول أما النص فقوله تعالى :﴿ أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
وأمَّا المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان، والنسخ على خلاف الأصل.
وأجيبوا بأن هذا منسوخ بقوله - « تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا » وقوله :« لا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإسلامِ ». وقوله ﷺ :« النِّكَاحُ سُنَّتِي وَسُنَّةُ الأنبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، فَمَنْ رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ».
وقولهم : النسخ على خلاف الأصل.
قلنا : مسلم إذا لم يُعْلَم الناسخُ، وقد علمناه.
قوله :﴿ وَنَبِيًّا ﴾ اعلم أن السيادةَ إشارة إلى أمرين :
أحدهما : القدرة على ضبط مصالح الخَلْق فيما يرجع إلى تعليمِ الدين.
والثاني : ضبط مصالحهم في تأديبهم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
والحصور إشارة إلى الزهد التام، فلما اجتمعا حصلت النبوة؛ لأنه ليس بعدهما إلا النبوة.
قوله :﴿ مِّنَ الصالحين ﴾ صفة لقوله :﴿ وَنَبِيّاً ﴾ فهو في محل نصب، وفي معناه ثلاثة أوجهٍ :
الأول : معناه من أولاد الصالحين.
الثاني : أنه خَيِّر - كما يقال للرجل الخَيِّر : إنه من الصالحين.
الثالث : أن صلاحه كان أتمَّ من صلاح سائر الأنبياء؛ لقوله - عليه السلام- :« مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ عَصَى وَهَمّ بِمَعْصِيَةٍ إلاَّ يحيَى بن زكريا، فإنه لم يَعْصِ ولم يَهِمَّ بمعصيةٍ ».
فإن قيل : إن كان منصب النبوة أعلى من منصب الصلاح، فما الفائدة في ذكر منصب الصلاح بعد ذكر النبوة؟
فالجواب : أن سليمان - بعد حصول النبوة - قال :﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين ﴾ [ النمل : ١٩ ].
وتحقيقه أن للأنبياء قدراً من الصلاح لو انتقص لانتفت النبوة، فذلك القدر - بالنسبة إليهم - يجري مجرى حفظ الواجبات - بالنسبة إلينا - وبعد اشتراكهم في ذلك القدر تتفاوت درجاتُهم في الزيادة على ذلك القدر، فكلما كان أكثر نصيباً كان أعلى قَدْراً.