كما في قوله :[ الطويل ]

١٤٥٦-................... فَأَوْحَتْ إلَيْنَا وَالأنَامِلُ رُسْلُهَا
وقال تعالى :﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ [ مريم : ١١ ]. ويكون بالكتابة، قال زهير :[ الطويل ]
١٤٥٧- أتَى الْعُجْمَ وَالآفاقَ مِنْهُ قَصَائِدٌ بَقِينَ بَقَاءَ الْوَحْي فِي الْحَجَرِ الأصَمْ
ويطلق الوحي على الشيء المكتوب، قال :[ الكامل ]
١٤٥٨- فَمَدَافِعُ الرَّيانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا خَلَقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلاَمُهَا
قيل : الوُحِيّ : جمع وَحْي - كفلس وفلوس - كُسِرَت الحاءُ إتباعاً.
قال القرطبيُّ :« وأصل الوحي في اللغة : إعلام في خفاءٍ ».
وتعريفُ الوحي بأمر خفي من غشارة، أو كتابة، أو غيرها، وبهذا التفسير يُعَدُّ الإلهامُ وَحياً، كقوله تعالى :﴿ وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ﴾ [ النحل : ٦٨ ] وقال - في الشياطين - :﴿ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ] وقال :﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ [ مريم : ١١ ]، فلما ألقى الله - تعالى - هذه الأنباء إلى الرسول عليه السلام - بواسطة جبريل عليه السلام - بحيث يخفى ذلك على غيره - سمَّاه وحياً.
قوله تعالى :﴿ إِذْ يُلْقُونَ ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب بالاستقرار العامل في الظرف الواقع خبراً.
والثاني- وإليه ذهب الفارسي- : أنه منصوب ب « كُنْتَ ». وهو منه عجيب؛ لأنه يزعم أنها مسلوبة الدلالة على الحدثِ، فكيف يعمل في الظرف، والظرف وعاء للأحداث؟
والذي يظهر أن الفارسيَّ إنما جوَّز ذلك بناء على ما يجوز أن يكون مراداً في الآية، وهو أن تكون « كان » تامة بمعنى : وما وُجدتَ في ذلك الوقت.
والضمير في « لَدَيْهِمْ » عائد على المتنازعين في مريم - وإن لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ -؛ لأن السياقَ قد دلّ عليهم.
فإن قيل : لم نُفِيَت المشاهدةُ - وانتفاؤها معلوم بالضرورة - وتُرِك نفي استماع هذه الأنباء من حُفَّاظِها، وهو أمر مجوز؟
فالجواب : أن هذا الكلامَ ونحوه، كقوله :﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور ﴾ [ القصص : ٤٦ ] وقوله :﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ ﴾ [ يوسف : ١٠٢ ] وقوله :﴿ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا ﴾ [ هود : ٤٩ ] - وإن كان انتفاؤه معلوماً بالضرورة - جار مَجْرَى التهكُّم بمُنْكِري الوحي، يعني أنه إذا عُلِمَ أنك لم تُعَاصِر أولئك، ولم تُدارِس أحداً في العلم، فلم يبق اطلاعك عليه إلا من جهة الوَحْي.
ومعنى الآية : ذلك - الذي ذكرناه - من حديث زكريا ويحيى ومريم - عليهم السلام - من أخبار الغيب نوحيه إليك، وذلك دليلٌ على نبوة محمد ﷺ لأنه أخبر عن قصصهم - ولم يكن قرأ الكتب - وصدَّقه أهل الكتاب بذلك. ثم قال :﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ أي : وما كنت يا محمد بحضرتهم ﴿ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ ﴾.
أقلام : جمع قَلَم، وهو فَعَل بمعنى مفعول، أي : مَقْلُوم.
والقَلْمُ : القَطْع، ومثله : القبض بمعنى المقبوض، والنقض بمعنى المنقوض، وجمع القلم على أقلام - وهو جمع قِلَّة - وحكى ابنُ سيدَه أنه يُجْمَع على قلام - بوزن رِماح - في الكثرة.


الصفحة التالية
Icon