[ النساء : ٢٥ ].
الرَّابع : الإسلام قال تعالى :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ ﴾ قيل في تفسيره فإذا أسْلَمْنَ، وهذا يقع معرفته في الاستثناء الواقع بعده، وهو قول بعض العلماء، فإنْ أُرِيدَ به هنا التَّزوج كان المعنى : وحرمت عليكم المحصنات أي المتزوجات، قال أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ نزلت في نساء كُنَّ يهاجرن إلى رسول الله ﷺ ولهنَّ أزواج فيتزوّجْنَ بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين فَنَهى اللهُ عن نكاحهن [ ثم استثنى ] فقال :﴿ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعني بالسّبي، [ ولهن أزواج في دار الحرب يحل لمالكهن وطؤهنّ بعد الاستبراء؛ لأنَّ بالسّبي ] يرتفع النِّكاح بينها وبين زوجها.
قال أبُو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ : بعث رسول اللهَ ﷺ يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لَهُنَّ أزْوَاج من المشركين فكرهوا غشيانهن وتحرجوا، فأنزل الله هذه الآية.
وقال عطاءٌ : يريد أن تكون أمته في نكاح عبده يجوز أن ينزعها منه.
وقال ابن مسعود : أرَادَ أنْ يبيع الجارية المزوّجة فتقع الفرقة بينها وبين زوجها، ويكون بيعها طلاقاً فيحل للمشتري وطؤها وهذا قول أبيّ بن كعب وابن مسعود، وابن عبَّاسٍ، وجابر، وأنس -Bهم- وقال علي، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف : إنَّ الأمة المزوجة إذَا بيعت لا يقع عليها الطَّلاق، وعليه إجْمَاعُ الفقهاء اليوم؛ لأنَّ عائشة -Bها- لما اشترت بريرة وأعتقتها خيرها النَّبي ﷺ وكانت متزوجة فلو وقع الطلاق بالبيع لما كان في ذلك فائدة، وحجة الأوَّلين ما روي في قصة بَريرةَ أنَّه عليه الصلاة والسَّلامُ قال :« بيع الأمة طلاقها » قالوا : فَإذَا ملكت الأمة حَلَّ وطؤها سواء ملكت بشراء، أو هبة أوْ إرث ويدل على أنَّ مُجَرَّد السّبي يحلُّ الأمة قول الْفَرَزْدَق :[ الطويل ]

١٧٨٢- وذَاتِ حَلِيلٍ أنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطْلَّقِ
يعني : أنَّ مجرد سبائها أحَلَّهَا بعد الاستبراء، وإنْ أُريد به الإسلام، أو العفّة فالمعنى : أنَّ المسلمات العفيفات حرام كلهنَّ، [ يعني ] فلا يزنى بهن إلا مَا مُلِكَ منهنّ بتزويج نكاح جديد بعد وقوعه البَيْنُونَةِ بينهن وبين أزواجهم أو ما ملكت يمين إن كانت المرأة مملوكة، فيكون المراد بما ملكت أيمانكم التّسلط عليهن، وهو قدر مشتركٌ، وعلى هذه الأوجه الثَّلاثة يكون الاستثناء متصلاً، وإذا أريد الحرائر، فالمرادُ إلا بما ملكت [ أيمانكم ] بملك اليمين ويدل عليه قوله بعد ذلك ﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ﴾ [ النساء : ٢٥ ] فكان المراد [ بالمحصنات هنا هو المراد ] هناك، وعلى هذا ففي قوله ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ﴾ وجهان :
الأوَّلُ : أنَّ المراد منه إلاَّ العقد الذي جعله الله تعالى ملكاً لكم وهو الأربع.
والثَّاني : أنَّ الحرائرَ محرمات عليكم إلا ما أثبت اللهُ لكم ملكاً عليهنَّ بحضور الولي والشُّهود والشُّروط المعتبرة في النِّكاح، في محلِّ نصب على الحال كنظيره المتقدّم.


الصفحة التالية
Icon