وثانيها : قوله تعالى ﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] فَدَلَّتْ الآية على سقوط النصف من المذكور، وهذا يقتضي أنَّهُ لو وقع العقدُ في أوَّلِ الأمْرِ بِدرْهمٍ : لم يجب إلا نصفُ درهمٍ، وأنْتُمْ لا تقُولُونَ به.
وثالثها : ما رُوِيَ أنَّ امْرَأةً جيء إلى النَّبيِّ ﷺ و تزوّج بها رجل على نعلين فقال عليه السَّلام « رَضيت مِنْ نَفْسِكَ بِنَعْلَين »، فقالت : نعم؛ فأجازه النبي ﷺ « والظاهرُ أنَّ قيمة النَّعلين أقلُّ من عشرةِ دراهم، فإنَّ مثل هذا الرجل والمرأةِ اللذين تزوَّجَا على نعلين يكونان في غَايَةِ الفَقْرِ فنعلهما تكون قليلة القِيمَةِ جدّاً.
وروى جَابِر عن النَّبي ﷺ أنَّهُ قال :» مَنْ أعْطَى امْرأةً من نِكَاح كَفَّ دقيق، أو سويق، أو طعاماً فقد استحلّ «، وحديث الواهبة نفسها أنَّهُ -عليه السَّلامُ- » قال لِلَّذي أرَادَ أن يتزوَّجَهَا الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتماً مِنْ حَدِيدٍ « وذلك لا يساوي عشرة دراهم.
فصل [ في الخلاف في المهر بالمنافع ]
قال أبُو حنيفةَ : لو تزوَّجَهَا على تعْليمِ سورة من القُرْآنِ لم يكن ذلك مهراً، ولها مهر مثلها ولو تزوَّجَهَا على خدمة سَنَةٍ، فإنْ كان حرّاً فلها مَهْرُ مثلها، وإنْ كان عبداً فلها خدمة سنة وقال غيره : يجوزُ جعل ذلك مهراً، واحتجَّ أبُو حنيفةَ بهذه الآية.
قال : لأنَّهُ تعالى شرط في حصول الحل ذلك الابتغاء بالمال، والمال اسمٌ للأعيان لا للمنافع وأيضاً قال :﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ وذلك صفة للأعيان لا للمنَافِعِ، وأيضاً قال ﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً ﴾ [ النساء : ٤ ].
وأجيب عن الأوَّل بأن الآية دَلَّت على أنَّ الابتغاء بالمال جائز، وليس فيه بيان أنَّ الابتغاء بغير المال جَائِزٌ أم لا.
وعن الثاني : بأنَّ لَفْظَ الايتاء كما يتناولُ الأعيان المنافِعَ الملتزمة.
وعن الثَّالث : أنَّهُ خرج الخطاب على الأعمِّ الأغلب.
واستدلَّ المُخالفُ بوجهين :
أحدهما : قصة شعيب في قوله لموسى ﴿ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ [ القصص : ٢٧ ] وشرعهم شرع لَنا ما لم يرد نَاسِخٌ.
وثانيهما : قوله عليه السلام » زَوَّجْتُكَ بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ «.
فصل [ في تفسير قوله ﴿ مُّحْصِنِينَ ﴾ ]
في قوله مُحصنينَ وجهان :
أحدُهُما :- أنَّ المراد أنْ يصيروا مُحْصنينَ بسبب عَقْدِ النِّكَاحِ.