[ البقرة : ٥٩ ] أنَّ المجرور بالباء هو المتروك، والمنصوب هو الحاصل، وتفعل هنا بمعنى استفعل، وهو كثير، نحو تَعَجَّل وَتََأَخَّرَ بمعنى استعجل واستأخر ومن مجيء تبدَّلَ بمعنى اسْتَبْدَلَ قولُ ذي الرمة :[ الطويل ]
١٧٣٣- فَيَا كَرَمَ السَّكْنِ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا | عَنِ الدَّارِ وَالمُسْتَخْلَفِ الْمَتِبَدِّلِ |
قل الواحدي :« تبدل الشَّيء بالشيء إذا أخذ مكانه ».
قوله :« بالطّيب ».
هو المفعول الثاني ل « تتبدلوا ».
وفي معنى هذا التبدُّل وجوه :
الأول : قال الفرّاء والزَّجَّاج : لا تستبدلوا الحرام، وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم الذي لأبيح لكم.
الثاني : قل سعيد بن المسيب والنخعي والزهْري والأسُّدِّيُّ : وكان ولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتم ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدرهم الجيد، ويجعل مكانه الزيف، يقول : درهم بدرهم، فَنُهُوا عن ذلك.
وطعن الزمخشريُّ : في هذا الوجه فقال : ليس هذا تَبَدُّلاً، إنما هو تبديل.
الثالث : أن يكون صديقه فيأخذ منه نعجة عجفاء مكان سمينة من مال الصبي.
الرابع : معناه لا تأكلوا مال اليتيم سلفاً مع التزام بَدَلِهِ بعد ذلك.
فصل
قل أبو العباس المقرئ : ورد لفظ « الطيِّب » في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : الحلال كهذه الآية.
الثاني : بمعنى الظَّاهر كقوله تعالى :﴿ صَعِيداً طَيِّباً ﴾ [ النساء : ٤٣ ] أي : ظاهراً.
الثالث : بمعنى الحَسَن قال تعالى :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ [ فاطر : ١٠ ] أي : الحسن، ومثله ﴿ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ ﴾ [ النور : ٢٦ ] أي : الكلام الحسن للمؤمنين.
الرابع : الطيِّبَ : المؤمن قال تعالى :﴿ حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب ﴾ [ آل عمران : ١٧٩ ] يعني : الكافر من المؤمن.
قوله :﴿ وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ ﴾ في قوله ثلاثة أوجه :
أحدها : أن « إلى » بمعنى « مع » كقوله :﴿ إِلَى المرافق ﴾ [ المائدة : ٦ ]، وهذا رأي الكوفيين.
الثاني : أنها على بابها وهي ومجرورها متعلّقة بمحذوف على أنَّه حال، أي : مضمومة، أو مضافة إلى أموالكم.
الثالث : أن يضمَّن « تأكلوا » بمعنى « تضموا » كأنه قيل : ولا تَضمُّوها إلى أموالكم آكلين.
قال الزمخشري :« فإن قلت : قد حَرَّمَ عليهم أكل مال اليتامى، فدخل فيه أكله وحده ومع أموالهم، فَلِمَ ورد النهي عن أكلها معها؟
قلت :» لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله - تعالى - من الحلال، وهم من ذلك يَطْعمون منها، كان القبحُ أبلغ والذمُّ ألحق، ولأنهم كنوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم، وَنَّعَ بهم ليكون زجر لهم «.
واعلم أنه تعالى، وَإن ذكر الأكل، فالمرادُ به سائر التصرفات المملكة للمال، وإنما ذكر الأكل لأنه معظم ما يقع التصرف لأجله.
قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوباً ﴾ في الهاء ثلاثة أوجه :
حده : أنها تعود على الأكل المفهوم، من » لا تأكلوا «.
الثَّاني : على التبدُّلِ المفهوم من » لا تَتَبَدَّلُوا الخبيث «.
الثالث : عليهما ذهاباً به مذهب اسم الإشارة نحو :