ونظيره : لِكُلِّ خَلَقَهُ اللَّه إنْسَاناً مِنْ رِزْقِ اللَّه، أي : لِكُلِّ أحدٍ خلقه اللَّه إنْسَاناً نَصِيبٌ من رزقِ اللَّهِ.
الخَامِسُ : إنْ كَانَ التَّقدِيرُ : ولكلِّ مالٍ، فقالوا : يكون المعنى : ولكلِّ مال مِمَّا تركه الوالدانِ والأقربون جعلنا موالي، أي : وُرَّاثاً يلونه، ويحوزونه، وجعلوا « لِكُلّ » متعلقة : ب « جَعَلَ »، و « مِمَّا ترك » صفة ل « كُلّ »، والوالدان فَلعِلٌ ب « تَرَكَ »، فيكونُ الكلامُ على هذا، وعلى الوجهين قبله كلاماً واحداً، وهذا وإنْ كَانَ حَسَناً، إلاّ أنَّ فيه الفَصْلَ بين الصِّفَةِ والموْصُوفِ بجملةٍ عامِلَةٍ في الموْصُوفِ.
قاتل أبُو حَيَّان :« وهو نظير قولك : بكلِّ رَجُلٍ مَرَرْتُ تميميٍّ وفي جواز ذلك نَظَرٌ ».
قال شهَابُ الدِّينِ :« ولا يحتاجُ إلى نَظَرٍ؛ لأنَّهُ قد وُجِدَ الفصلُ بَيْنَ الموْصُوفِ والصِّفَةِ بالجملةِ العَامِلَةِ في المُضَافِ إلى المَوصُوفِ، كقوله تعالى :﴿ قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السماوات والأرض ﴾ [ الأنعام : ١٤ ] ف ﴿ فَاطِرِ ﴾ صفة ل ﴿ الله ﴾، وقد فُصِلَ [ بينهما ] ب ﴿ أَتَّخِذُ ﴾ العامل في ﴿ أَغَيْرَ ﴾ فهذا أولى ».
السَّادسُ : أنْ يكُونَ لكلِّ [ مال ] مفعولاً ثانياً ل « جعَلَ » على أنَّها تصييرية، و « مَوَالي » مفعول أوَّل، والإعرابُ على ما تقدَّمَ.

فصل


« المَولى » لفظ مُشْتَرَكٌ بيْنَ مَعَانٍ :
أحدها : المعتِقُ؛ لأنَّهُ ولي نعمة من أعتقه، ولذلك سمي مولى النعمة. ثانيها : الْعَبْدُ المُعْتَقُ لاتِّصَالِ ولايَةِ مَوْلاَهُ به في إنْعَامِه عليه، وهذا كما سُمِّيَ الطَّالِبُ غرِيماً؛ لأنَّ له اللُّزُوم والمطالبة بحقِّه، ويسمَّى المطلوب غريماً، لِكونِ الدِّينِ لازِماً له.
وثالثها : الحليفُ؛ لأنَّ المحالف يلي أمْرَهُ بِعَقْدِ اليَمينِ.
ورابعُهَا : ابْنُ العَمِّ؛ لأنَّهُ يليه بالنُّصْرَةِ.
وخامسها : المولى لأنَّ يليه بالنُّصْرَةِ، قال تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ ﴾ [ محمد : ١١ ].
سادسُهَا : العَصَبَةُ، وهو المُرادُ بهذه الآية؛ لقوله عليه السلامُ :« أنا أوْلَى بالمؤمنينَ، مَنْ مَات وتَرَكَ مالاً، فَمَالُهُ لمَوَالِي الْعَصَبَةِ، ومَنْ ترك ديناً؛ فأنَا وَلِيُّه ».
وقال عليه السلامُ :« ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فللأوْلَى عصبَةٍ ذكر ».
قوله ﴿ والذين عَقَدَتْ ﴾ في محلّهِ أربعة أوجهٍ :
أحدُهَا : أنَّهُ مُبْتدأ والخبر قوله :« فآتوهم » [ ودخلت الفاء في الحيز لتضمن الذي معنى الشرط ].
الثَّاني : أنَّهُ منصوبٌ على الاشْتِغالِ بإضمار فعلٍ، وهذا أرجحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْدَهُ طلباً.
والثَّالِثُ : أنَّهُ مرفوعٌ عطفاً على ﴿ الوالدان والأقربون ﴾، فإن أريدَ بالوالدين أنَّهُم موروثون، عادَ الضَّميرُ من « فآتوهم » على « موالي » وإن أُريد أنَّهُم وَارِثُون جازَ عودُه على « موالي » وعلى الوالدَيْنِ وما عُطِفَ عليهم.
الرَّابِعُ : أنَّهُ منصوب عطفاً على « موالي ».
قال أبُو البَقَاءِ :[ أي :] « وجعلنا الذين عاقدتْ وُرّاثاً؛ وكان ذلك ونسخ »، وردّ عليه أبُو حَيَّان بِفَسَادِ العطْفِ، قال : فإن جُعِل من عطْفِ الجُمَل، وحُذِفَ المفعولُ الثَّاني لدلالة المعنى عليه أمكن ذلك أيْ : جعلنا وُرَّاثاً لكلِّ شَيْءٍ من المال، أو لِكُلِّ إنسان، وجَعلنَا الذِينَ عاقَدَتْ أيمانكم وراثاً وفيه بعد ذلِكَ تَكَلُّفٌ.


الصفحة التالية
Icon