﴿ وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ [ الجن : ١٥ ].
المادة من قوله :﴿ قَآئِمَاً بالقسط ﴾ [ آل عمران : ١٨ ].
قوله :﴿ مَا طَابَ ﴾ في « ما » هذه أوجه :
أحدها : أنها بمعنى الذي وذلك عند من يرى أن « ما » تكون للعاقل، وهي مسألة مشهورة، وذلك أن « ما » و « من » وهما يتعاقبان، قال تعالى :﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا ﴾ [ الشمس : ٥ ] وقال :﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٣ ] وقال ﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ ﴾ [ النور : ٤٥ ].
وحكى أبو عمرو بن العلاء : سبحان من سبح الرعد بحمده.
وقال بعضهم : نَزَّلَ الإناث منزلة غير العقلاء كقوله :﴿ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ [ المؤمنون : ٦ ].
قال بعضهم : وَحَسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء، وهن ناقصات العقول. وبعضهم يقول : هي لصفات من يعقل.
وبعضهم يقول : لنوع من يعقل كأنه قيل : النوع الطيب من النساء، وهي عبارات متقاربة. فلذلك لم نعدّها أوجهاً.
الثاني : أنها نَكِرَةٌ موصوفة، أي : انكحوا جنساً طيباً أو عدداً طيِّباً.
الثالث : أنها مصدرية، وذلك المصدر واقع موقع اسم الفاعل، تقديره : فانحكوا [ الطَّيِّبَ.
وقال أبو حيان : والمصدر مقدر هنا باسم الفاعل، والمعنى فانكحوا ] النكاح الذي طاب لكم. والأول أظهر.
الرابع : أنها ظرفية تستلزم المصدريَّة، والتقدير : فانحكوا ما طاب مدة يطيب فيها النكاح لكم. إذا تقرر هذا، فإن قلنا : إنها موصولة اسمية أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، والمصدرُ واقع اسم الفاعل كانت « ما » مفعولاً ب « انكحوا » ويكون « من النساء » فيه وجهان :
أحدهما : أنها لبيان الجنس المبهم في « ما » عند مَنْ يثبت لها ذلك.
والثاني : أنها تبغيضية، أي : بعض النساء، وتتعلق بمحذوف على أنها حال من « ما طاب » وإن قلنا : إنها مصدرية ظرفية محضة، ولم يُوقع المصدر موقع اسم فاعل كما قال أبو حيان كان مفعول « فانكحوا » قوله « من النساء » نحو قولك : أكلت من الرغيفِ، وشربتُ من العسل أي : شيئاً من الرغيف وشيئاً من العسل.
فإن قيل : لِمَ لا يجعل على هذا « مثنى » وما بعدها هو مفعول « فانكحوا » أي : فانكحوا هذا العدد؟ فالجواب أن هذه الألفاظ المعدولة لا تلي العوامل.
وقرأ ابن أبي عبلة « مَنْ طَابَ » وهو يرجحُ كون « ما » بمعنى الذي للعاقل، وفي مصحف أبي بن كعب بالياء، وهذا ليس بمبني للمفعول؛ لأنه قاصر، وإنما كُتِبَ كذلك دلالة على الإمالة وهي قراءة حمزة.
فصل
اختلف المفسرون في كيفية تعلق هذا الجزاء بهذا الشرط فروى عروة قال : قلت لعائشة : ما معنى قول الله تعالى ﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى ﴾.