قال الشَّافعيُّ :« ولا يزيد في هجره في الكلام على ثَلاثٍ، فإذَا هجرها في المَضْجَع، فإن كانت تَبْغَضُه، وافقها ذلك الهجران، فيكونُ ذلك دليلاً على كمال النُّشوزِ ».
ومنهم من حَمَلَ الهِجْرَانَ في المَضَاجِعِ على تَرْكِ المُبَاشَرَةِ.
وقال القرطبي : وقيل : اهْجرُوهُنَّ مِنَ الهُجْرِ، وهو القَبيحُ من الكَلاَمِ، أي : غلظُوا عليْهِنَّ فِي القَوْلِ، ضاجعوهن للجماع وغيره و [ قال ] معناه سفيان [ الثَّوْرِي ]، وروي عن ابْن عَبَّاسٍ.
وقيل : شدّوهن [ وثاقاً ] في بيوتهن، من قولهم : هجر البعيرَ، أي : ربطه بالهجار، وهو حَبْلٌ يُشَدُّ به البعيرُ، وهذا اختِيارُ الطَّبري، وقدح في سائر الأقْوالِ، ورَدَّ عليه القاضِي أبُو بَكْرٍ بْن العَرَبِيّ وقال :« يا لها من هَفْوَة عالمٍ بالقرآن والسُّنَّةِ، والَّذي حملَهُ على [ هذا ] التأويلِ حديثٌ غريبٌ، رواه ابْنُ وهب عن مالكٍ : أنَّ أسْمَاءَ بنتَ أبي بكر الصّديق امرأةَ الزُّبَيْرِ بنِ العَوّامِ كانت قد نَشَرَتْ على زوجها فقد شعر واحدة بالأخْرَى ثم ضَرَبَهَا » الحديث.
فرأى الرَّبط والعقد، مع احْتِمَالِ اللَّفْظِ، مع فعل الزُّبَيْرِ، فأقدم على هذا التَّفْسيرِ «.
قال القرطبيُّ : وهذا الهَجْرُ غَايَتُهُ عِنْدَ العُلَمَاءِ شهر، كما فعل النبيُّ ﷺ حين أسَرَّ إلى حَفْصَة حديثاً، فأفشته إلى عَائِشَةَ -Bها-.
قوله :﴿ فِي المضاجع ﴾ فيه وجهان :
أحدها : أنَّ »
في « على بابها من الظرفيَّةِ متعلّق ب ﴿ اهجروهن ﴾ أي : اتركوا مضاجعتهن، أي : النَّوْمَ مَعَهُنَّ دون كلامِهِنَّ ومؤاكلتهنَّ.
والثَّاني : أنها للِسَّبَبِ. قال أبُو البقاءِ :﴿ واهجروهن ﴾ بسبب المضاجع، كما تَقُولُ : في هذه الجِنَايَةِ عُقُوبَةٌ، وجعل مكي هذا الوجه مُتَعَيِّناً، ومنع الأول، قال : ليس ﴿ فِي المضاجع ﴾ ظرفاً للهجران، وإنَّمَا هو سَبَبٌ لِهِجْرَانِ التَّخَلُّفِ، ومعناه : فاهجروهنّ من أجل تخلفهن عن المُضاجَعَةِ معكم، وفيه نَظَرٌ لا يخفى.
وكلام الوحِدِي يُفْهِم أنَّهُ يجوزُ تعلُّقه ب ﴿ نُشُوزَهُنَّ ﴾، فإنه قال -بعدما حكى عن ابْنِ عَبَّاسٍ كلاماً- : والمعنى على هذا :»
واللاتي تخافون نشوزهن في المضاجع «، والكلامُ الذي حَكاهُ عن ابن عباس هو قوله : هذا كُلُّهُ في المَضْجَعِ، إذا هي عَصَتْ أن تَضْطَجِعَ مَعَهُ، ولكن لا يجوزُ ذلك؛ لئلاّ يلزمَ الفَصْلُ بين المَصْدَرِ ومعموله بأجنبيّ.
وقدّر بعضهم مَعْطُوفاً بعد قوله :»
واللاتي تخافون «، أي : واللاتي تخافون نشوزهن، ونَشَزْنَ، كأنَّهُ يريد أنَّهُ لا يجوُز. ُ الإقدام على الوَعْظِ، وما بعده بِمُجَرَّدِ الخَوْفِ.
وقيل : لا حَاجَةَ إلى ذلك؛ لأنَّ الخَوْفَ بمعنى اليقين [ قال تعالى ﴿ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً ﴾ [ البقرة : ١٨٢ ]، قال ابن عباسٍ : تخافون بمعنى تتيقّنون ]، وقيل : غلبة الظنِّ في ذلك كافِيَةٌ.
قوله :﴿ واضربوهن ﴾ يعني : أنَّهُنّ [ إن ] لم ينزعن مع الهجران فاضربُوهُنَّ، يعني ضرباً غَيْرَ مُبَرَّحٍ، ولا شَائِنٍ.
قال عَطَاءٌ :»
[ هو ] ضَرْب بالسِّواكِ «.
وقال عليه السَّلامُ في حقّ المرْأةِ :


الصفحة التالية
Icon