قوله :﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجُه :
أحدها : أنه مَعْمُولٌ ل ﴿ يَوَدُّ ﴾ أي : يَوَدُّ الذين كَفَروا يَوْمَ إذ جِئْنَا.
والثاني : أنه مَعْمُول ل ﴿ شَهِيداً ﴾، قاله أبو البَقَاء؛ قال وعلى هذا يكُون « يود » صفة ل « يوم »، والعائد مَحْذُوفٌ، تقديره : فيه، وقد ذكر ذلك في قوله :﴿ واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي ﴾ [ البقرة : ٤٨ ]، وفيما قاله نظر.
والثَّالث : أن « يوم » مَبْنِيٌّ، لإضافته إلى « إذْ » قاله الحُوفيّ، قال : لأنَّ الظرف إذا ضيفَ إلى غير مُتَمكِّنٍ، جَازَ بناؤهُ معه، و « إذْ » هنا اسْمٌ؛ لأن الظروف إذا أُضِيفَ إليها، خَرَجَتْ إلى مَعْنَى الاسميَّة، من أجل تَخْصِيص المُضَافِ إليْها، كما تخَصّص الأسْمَاء مع استحقَاقِها الجرّ، والجرُّ ليس من علامَاتِ الظُّروف، والتَّنْويِن في « إذْ » تنوين عوض على الصَّحيح، فقيل : عِوضٌ من الجُمْلَة الأولى، في قوله :﴿ جِئْنَا مِن كُلِّ ﴾ أي : يومئذٍ جِئْنَا من كُلِّ أمَّة بشهيدٍ، وجئنا بِكَ على هؤلاء شهيداً، و « الرسول » على هذا اسْم جِنْسٍ، وقيل : عِوَضٌ عن الجُمْلَة الأخيرةَ وهي ﴿ وَجِئْنَا بِكَ ﴾، ويكون المُراد ب « الرسول » : محمد ﷺ، وكأن النَّظْم وعَصَوْك، ولكن أبرز ظاهراً بضفة الرِّسَالة تَنْوِيهاً بقدره وشرفِه.
وقوله :﴿ وَعَصَوُاْ ﴾ فيه ثلاثة أوْجُه :
أحدها : أنها جُمْلَة معطوفة على ﴿ كَفَرُواْ ﴾ فتكون صِلَةً، فيكونون جَامِعِين بين كُفْرٍ ومَعْصِيَة؛ لأن العَطْفَ يقتضي المُغَايَرَة، وإذا كان ذَلِكَ، فَيُجْمل عصيان الرَّسُول على المعَاصِي المغايرة للكُفْر، وإذا ثبت ذلك، فالآيَةُ دالَّة على أنَّ الكُفَّار مخاطبُون بفُرُوع الإسلام.
وقيل : هي صِلَةٌ لموصول أخَر، فيكون طَائِفَتَيْن، وقيل : إنها في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من ﴿ كَفَرُواْ ﴾، و « قد » مُرَادَة، أي : وقد عَصَوا.
قوله :﴿ لَوْ تسوى ﴾ إن قيل إن « لو » على بابها كما هو قَوْل الجُمْهُور، فَمَفْعُول ﴿ يَوَدُّ ﴾ محذوفٌ، أي : يودُّ الَّذِين كَفَرُوا تَسْوية الأرْض بهم، ويدل عليه ﴿ لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض ﴾، وجوابها حينئذٍ مَحْذُوف، أي : لسُرُّوا بذلك.
وإن قيل : إنها مصدريَّة، كانت وهي وما بَعْدَها في محلّ مَفْعُول ﴿ يَوَدُّ ﴾، ولا جواب لها حينئذ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك في ﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].
قال أبو البقاءِ :« وعصوا الرسول » في موضع الحالِ، و « قد » مًُرَادةٌ، وهي معْتَرِضَة بين « يود » وبين مَفْعُولها، وهي « لو تسوى » و « لو » بمعنى المصدريَّة انتهى.
وفي جَعْلِ الجنلة الحَاليَّة معترضة بين المَفْعُول وعامِله نَظَرٌ لا يَخْفَى؛ لأنها من جُمْلَة متعلِّقات العامِل الذي هو صِلَة للمَوْصُول؛ وهذا نظير قولك : ضَرَب الذين جَاءُوا مُسْرِعين زَيْداً، فكما لا يُقال : إن مُسْرِعين مُعْتَرض به، فكذلك هذه الجملة.


الصفحة التالية
Icon