وقرأ الأعْمَش :« سُكْرَى » بضم السِّين وسكُون الكَافِ، وتَوْجِيهها أنَّها صِفَة على « فُعْلَى » ؛ كحبلى، وقعت صِفَة لجماعةِ، أي : وأنتُم جماعَةٌ سُكْرى، وحكى جناح بن حبيش كُسْلَى وكَسْلَى، بضم الكَافِ، وتَوْجِيهها أنَّها صِفَة على
فُعْلَى « ؛ كحبلى، وقعت صِفَة لجماعة، أي : وأنتُم جماعَةٌ سُكْرى، وحكى جناح بن حبيش كُسْلى وكَسْلَى، بضم الكَافِ وفتحها؛ قاله الزمخشري.
وقرأ النَّخْعي »
سَكْرَى « بفتح السِّين وسكون الكَافِ، وهذه تَحْتَمِل وَجْهَيْن :
أحدهما : ما تقدَّم في القراءة قبلها، وهو أنَّهَ صِفَة مُفْرَدة على »
فَعْلَى « ؛ كامرأة سَكْرَى، وصف بها الجمَاعة.
والثَّاني : أنَّها جَمْع تكسير؛ كجَرْحى، ومَوْتى، وهَلْكى، وإنما جمع سَكْرَان على »
فَعْلَى « حملاً على هذه؛ لما فيه من الآفَةِ اللاَّحِقَة للفِعْل، وقد تقدَّم شَيْء من هَذَا في قوله :﴿ وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى ﴾ [ البقرة : ٨٥ ].
وقرئ :»
سَكارى « بفتح السين والألف، وهذا جمع تكسير، نحو : نَدْمَان ونَدَامى، وعَطْشَان، وعَطَاشَى، والسُّكْرُ : لُغَة السَّدِّ، ومنه قيل لما يَعرض للمرءِ من شُرْبِ المُسْكِر، لأنَّه يسد ما بين المَرْء وعَقْلِه، وأكثر ما يُقَال ذلك لإزالَتِه بغضب ونحوه، من عشق وغيره قال :[ الكامل ]

١٨٠٠- سُكْرَانِ سُكْرُ هَوَى وسُكْرُ مُدَامَةٍ أنَّى يُفيقُ فَتًى به سُكْرَانِ
و » السكر « بالفتح وسكون اكَافِ : حبس الماءِ، وبكسر السِّين : نفس الموضع السْدُود، وأما » السَّكَر « بفتحيهما فما يسكر به من المشروب، ومنه :﴿ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ﴾ [ النحل : ٦٧ ] وقيل السُّكْر : بضم السين وسكون الكاف [ السّدّ ] أي : الحَاجِز بين الشَّيْئَيْن، قال :[ الهزج ]
١٨٠١- فمَا زِلنَا عَلَى السُّكْرِ نُدَاوِي السُّكْر بالسُّكْرِ
والحاصل : أنَّ أصل المادة الدَّلالة على الانْسداد، ومنه : سَكرت عين البَازِي، إذا خَالَطَهَا نوم، وسكر النَّهر؛ إذا لم يَجْرِ، وسَكَرْتُه أنا، وقال -تعالى- :﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾ [ الحجر : ١٥ ]، أي : غُشيت، والسُّكْر من الشراب، وهو أن يَنْقَطِع عما عَلَيْه من النَّفَاذ حال الصَّحْو، فلا ينفذ رأيه كنَفَاذَه حَال الصَّحْو، وقال الضحَّاك : أراد به سُكْر النّوم نهى عن الصَّلاة عند غَلَبَة النَّوْم، قال -E- :»
إذا نَعسَ أحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُد حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلَّى وهو يَنْعَسُ، لَعَلهُ يَذْهَبُ يستَغْفِرُ فَيَسب نَفْسَه «.
والصحيح الأوَّل؛ لأن السكر حَقيقةً هو من شُرْب الخَمْرِ، فأمّا السّكر من الغَضَبِ أو العِشْقِ أو النَّوْمِ فَمَجَازٌ، إنما اسْتُعِْمِل مقيَداً؛ قال -تعالى- :﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ [ ق : ٩ ]، ﴿ وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى ﴾ الحج : ٢ ] قال الفرزْدَق :[ الطويل ]
١٨٠٢- مِنَ السَّيْرِ وَالإسْآدِ حَتَّى كَأنَّمَا سَقَاهُ الَرَى فِي مَنْزِلَةٍ خَمْراً
ولأن عند النَّوْم تمتلئ مَجَاري الرُّوح من الأبخرة الغليظَة، فلا ينفذ الروح للبَاصِر.
قوله -تعالى- :»
حتى تعلموا « » حتى « جارَّة بمعنى إلى، فهي مُتعلِّقَةٌ بفعل النَّهْي، والفعل بَعْدَها مَنْصوب بإضمار » أن « وتقدّم تَحْقِيقُه، وقال بَعْضُهم : إن حَتَّى هنا بمعنى [ » كَيْ « ] فهي » تَعْلِيلِيَّة «، والمَعْنَى : كي تَعْلَمُوا ما تَقُولُون.


الصفحة التالية
Icon