قوله :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً ﴾ أيْ : اختلق ذَنْبتً غيرَ مَغْفُورٍ.
يُقالُ : افْتَرَى فُلانٌ الكَذِبَ، إذا اعْتَمَلَهُ، واخْتَلَقَهُ، وأصْلُه : من الفَرْي، بمعنى القَطْعِ.
رَوَى جَابرٌ قال :« أتى النبيِّ ﷺ رَجَلٌ، فقال : يا رسولُ الله، ما المُوجِبتان؟ قال مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بالله شيئاً، دَخَلَ الجَنَّة، ومَنْ مَاتَ يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، دَخَلَ النَّارَ ».
وقال ابنُ عبَّاسٍ : إنَّي لأرْجُو، كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ؛ كَذلِكَ لا يَضُرُّ مَعَ التَّوحِيد ذَنْبٌ، ذَكَرَ ذلك عِنْدَ عُمَر بْنَ الخطَّابِ؛ فَسَكَتَ عُمَرُ.
وروى أبُو ذَرٍّ، « قالَ : أتَيْتُ النَّبِي ﷺ، وعليه ثَوْبٌ أبْيَض، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ، وقد استَيْقَظَ؛ فقال :» مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا إله إلا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ على ذَلِكَ؛ إلاَّ دَخَلَ الجنَّة
«. قُلْتُ : وَإنْ زَنا، وإنْ سَرَقَ! قَال :» وإنْ زَنَا، وإنْ سَرَقَ «.
[ قُلْتُ : وَإنْ زَنَا، وإنْ سَرَقَ! قَال :» وإنْ زَنَا، وإنْ سَرَقَ «، قُلْتُ : وَإنْ زَنا، وإنْ سَرَقَ! قَال :» وإنْ زَنَا، وإنْ سَرَقَ ]، عَلَى [ أنْفِ ] أبِي ذَرٍّ «، وكانَ أبُو ذَرٍّ إذا حدث بهذا، وإنْ رَغم أنْفُ أبِي ذَرٍّ.
فصل
قال القُرطُبِيُّ : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ من المُحْكَمِ المتفقِ عليه، الذي لا خلاف فيه بَيْنَ الأمةِ، وقوله :﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾، من المُتَشَابَهِ، الَّذي قد تَكَلَّمَ العلماءُ فيه.
فقال مُحَمدُ بن جَريرٍ الطَّبريّ : قد أبَانَتْ هذه الآيةُ كُلَّ صاحِبِ كَبيرةٍ، فَفِي مَشِيئةِ الله تعالى إن شاء [ عفَا لَهُ، وَإنْ شَاءَ ]، عاقَبَه، مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرتُهُ شِرْكاً، وقالَ بعضُهُم : قد بين الله تعالى، بقوله تعالى :﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [ النساء : ٣١ ].
فأعْلَمَ أنَّهُ : يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ لمن اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ، لمنْ يشاءُ، ولا يَغْفِرُ الصغَائِرَ لمنْ أتَى الكَبَائِرَ.
وقال بعضُهم : هذه الآيةُ ناسِخَةٌ للتي في آخرِ الفُرْقَانِ.
قال زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ : نزلتْ سُورةُ النِّسَاءِ بَعْدَ سُورَةِ الفُرقَانِ بِسِتَّةِ أشْهُرٍ.
قال القُرِطُبِيُّ : والصحيح أنَّهُ لا نَسْخَ، لأنَّ النَّسْخَ فِي الأخْبَارِ مُسْتَحِيلٌ، وسيأتي الجمعُ بَيْنَ الآي، في هذه السُّورةِ؛ وَفِي الفُرْقَانِ، إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
فصل هل يسمى اليهودي مشركاً في الشرع؟
قال ابنُ الخطيب : دلتْ هذه الآيةُ على أنَّ اليَهُودِيِّ يُسَمَّى مُشْرِكاً في الشَّرْعِ؛ لأنها دالَّةٌ على أنَّ مَا سِوَى الشركِ من الكَبَائِرِ يُغْفَرُ، فَلَوْ كَانَتِ اليهوديَّةُ مُغَايِرة للشِّرْكِ، كَانَتْ ] مَغْفُورَةً بحكم الآية، وهو خِلاَفُ الإجْمَاعِ، ولأنَّ هذه الآيةَ مُتَّصِلَةٌ بوعِيِدِ اليَهُودِ، فَلَوْلاَ دُخُوُل اليهوديةِ تحتَ اسْمِ الشِّرْكِ، لم يحْصُل الالتئامُ.
فإنْ قيلَ : عَطْفُ » الذين أشركوا « على » الذين هادوا « في قوله :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ ﴾