فمن فَسَّر ﴿ الفضل ﴾ : بِكّثْرةِ النساءِ، والمُلْكِ العَظيمِ، والمعنى : أنَّ دَاوُدَ وسُلَيْمَانَ أوتيا مُلْكاً عَظِيماً، وكان لسُليمانَ صلوات الله وسلامه عليه ألفُ امرأةٍ : ثلاثُمائَةٍ مُهْرِيَّة، وسَبْعُمائة سُرِّيَّة، وكان لداود - عليه السلام - مائةُ امْرَأةٍ، ولم يكُنْ لرسولِ اللهِ ﷺ إلاَّ تِسْعُ نِسْوةٍ، فلمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ، سَكتُوا.
وقوله :« فمنهم من لآمن به »، الضميرُ في به عَائِدٌ على « إبراهيم » أوْ على « القرآن » أوْ على الرَّسُولِ - ﷺ -، أوْ عَلَى ما أُوتيه إبراهيم - عليه السلام - فإنْ عَادَ غلى مُحَمدٍ، فالمرادُ بالذين آمنُوا به، الذين أُوتُوا الكتابَ؛ آمن بعضُهم كعبدِ اللهِ بنِ سلام، وأصْحَابه، وبَقِيَ بعضهم على الكُفْرِ والإنْكارِ، وكذلك إنْ عادَ إلَى مَا أُوتِيه إبراهيم - علّيه السلام - قال السديُّ : الهاءُ في « بِهِ » و « عنه » رَاجِعَةٌ إلى إبْرَاهِيم، وذلك أنَّهُ زَرَعَ ذَاتَ سَنَة، وزرع الناسُ [ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ] فَهَلَكَ زَرْعُ الناسِ، وَزَكَا زَرْعُ إبْراهيمَ - عليه السلامِ- فاحتاج الناسُ إلَيْه، فكان يقولُ :« من آمن بي أعطيته » فمن آمَنَ، أعْطَاهُ مِنْه، [ وَمَنْ لَمْ يُؤمِنْ، منعه مِنْه ]، وإنْ عاد إلى القُرْآنِ، فالمعنى : أنَّ الأنبياءَ - عليهم الصلاة والسلام - واتْباعَهمُ معهم، صَدَّقُوا بمحمدٍ ﷺ وبما جاء به، وقال آخُرون : المرادُ [ أنَّ ] أولئِكَ الأنبياءَ مع ما خُصُّوا به مِنَ النُّبوةِ، والمُلْكِ، جَرَتْ عادَةُ أممِهمْ : أنْ آمَنَ بعضُهم، وكَفَرَ بعضُهم، فَلاَ تَتَعَجَّب يا محمدُ، مِنْ أمتِكَ، فإنَّ أحْواَلَ جَميعِ الأمَمِ هكذا، وذلك تَسْلِيةٌ له - عليه السلام-.
قوله :« ومنهم من صد عنه » قَرَأ الجُمْهُورُ « صَدَّ » بفتح الصَّادِ، وقرأ ابنُ مسعودٍ، وابنُ عباسٍ، وعكرمةُ :« صُدًّ » بضمها، وقرأ أبُو رَجَاء، وأبو الجَوْزَاءِ : بِكَسْرِهَا، وكلتا القِرَائتين على البِنَاء للمفعولِ، إلا أنَّ المضاعَفَ الثُّلاثِيَّ، كالمعْتَلِّ العَيْنِ منه، فيجوزُ في أوله ثلاثُ لغاتٍ، إخْلاَصُ الضَّمِّ، وإخلاصُ الكَسْرِ، والإشمامُ.
قوله :﴿ وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ﴾، أيْ : كَفَى بجهنَّمَ [ في ] عذابِ الكُفَّارِ سعيراً والسَّعيرُ : الوقودُ، وهو تَميِيزٌ، فإنْ كان بِمَعْنَى : مُسَعَّرِ، فلا يَحْتَاجُ إلى حَذْفٍ.


الصفحة التالية
Icon