فأمانة اللِّسَانِ ألاّ يستعمله في الكذِبِ، والغيبةِ، والنَّميمَةِ، والكُفْرِ، والبدعةِ، والفُحْشِ، وغيرها.
وأمانة العَيْنِ ألاّ يَسْتَعْمَلَهَا في النَّظَرِ الحَرَامِ، وأمَانَةَ السَّمْعِ ألاّ يَسْتَعْمِلَهُ في سَمَاعِ المَلاَهِي، والمَنَاهِي، وسماع الفُحْشِ، والأكاذيبِ، وغيرها.
وكذا جميع الأعْضَاءِ، وأمَّا الأمَانَةُ مع سَائِرِ الخَلْقِ فلردِّ الوَدَائِعِ، وتركِ التَّطفيفِ في الكَيْلِ، والوزْنِ، وعدْلِ الأمرَاءِ في الرَّعِيَّةِ، وعدلِ العُلَمَاءِ في العَوَامِ : بأن يُرْشِدُوهم إلى الاعتِقَاداتِ، والأعْمَالِ الَّتي تنفعهم في دُنْيَاهُم وأخْرَاهُم، ولا يحملوهم عَلَى التَّعصُّبَات البَاطِلَةِ، وأمَانَةُ الزَّوْجَةِ للزَّوْجِ في حفظ فَرْجِهَا، وألا تُلْحِقَ به وَلَداً من غَيْرِهِ، وفي إخبارِها عن انْقِضَاءِ عدَّتها، ونهي اليهود عن كِتْمَانِ أمر محمد عليه الصَّلاة والسلام - وأما أمَانَته مع نفسه، فهو ألا يَخْتَارُ [ لِنَفْسِهِ ] إلاّ الأنْفَعَ، والأصْلَحَ، في الدِّين والدُّنْيَا، وألا يقدم بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ، والغَضَبِ على مَا يَضُرُّهُ في الآخِرَةِ قال أنَسٌ -Bه- : قلَّ ما خَطَبَنَا رسولُ الله ﷺ إلا قال « لا إيْمَانَ لَمنْ لا أمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لمَنْ لا عَهْدَ لَهُ »، وقال تعالى ﴿ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٧ ]، وقد عظَّم الله أمْرَ الأمَانَةِ فقال :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ].
[ ويروي أنَّ الله - تعالى - خَلَقَ الدُّنْيَا كالبُسْتَانِ، وزينها بخمسة أشْيَاء :
عِلْمَ العُلَمَاءِ، وعَدْلِ الأمَرَاءِ، وعِبَادَةِ العُلَمَاءِ، ونَصِيحَةِ المُسْتَشَارِ، ودفع الخيانة ].
فصل في الخلاف في ضمان الوديعة
الأكْثَرُونَ على أنَّ الوديعةَ غير مضمونةٍ عند عَدَمِ التَّفْرِيطِ، وعن بعض السَّلَفِ أنَّهَا مَضْمُونَةٌ.
روى الشَّعْبِيُّ عن أنَسٍ قال : اسْتَحْمَلَنِي رَجُلٌ بضاعةً، فضاعت من بين ثيابي. فضمنني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-.
وعن أنسٍ قال : كان لإنسان عندي وديعَةٌ سِتَّةُ ألاف درهَمٍ، فذهبت فقال عُمَرُ :« ذهب لك معها شيء » ؟ [ قلت : لاَ ] فألزمني الضَّمَان.
وحجة الجُمْهُورِ ما رَوَى عمرة بنُ شُعَيْبٍ عن أبيه قال : قالَ رَسولُ الله ﷺ « لا ضَمَانَ عَلَى دَاع، ولا [ على ] مُؤتَمَنٍ »، وأما فِعْلُ عمر - رضي الله عنه- [ فهو ] محمولٌ على أنَّ المودع اعترف بفعل يوجب الضمان.
فصل في الخلاف في ضمان العارية
قال الشافعيُّ وأحمد : العاريةُ مَضْمُونَةٌ بعد الهَلاَكِ لقوله تعالى ﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات [ إلى أَهْلِهَا ﴾ ] والأمر لِلوُجُوبِ، وقوله - ﷺ :« على اليَد مَا أخَذْتْ حَتَّى تُؤديهُ » وخصت منه الوديعَةُ، فيبقى العامُّ بَعْدَ التَّخْصيصِ حجة، وأيضاً فإنَّا أجمعْنَا على أنَّ المستام مَضْمُونٌ، وأنَّ المودع غيره مَضْمونٍ والعَارِيَة وقعت في البين، ومشابهتها لِلْمُسْتَام أكثر؛ لأنَّ كلاّ منهما أخذه الأجنبي لغرض نفسه، والوديعة أخذها لِغَرَضِ المالِكِ، فظهر الفَْقُ بيْنَ العاريةِ والوديعة.
وقال أبُو حنيفةَ :[ العارية ] ليست مضمونة كقوله عليه السلامُ « لاَ ضَمانَ عَلَى مُؤتَمنٍ »