الرابع : دَلَّت الآيَةُ على أن العِبْرَةِ بإجْمَاعِ المُؤمِنين؛ لقوله - [ تعالى ] - « يا أيّها [ الذين آمنوا ] ثم قال :» وأولي الأمر منكم «.
قوله : إن كُنتُم »
شرط، جوابُه مَحْذُوفٌ عند جُمْهُور البَصْريَّين، أي : فَرُدُّوه إلى اللهِ، وهو مُتقدِّم عند غيرهم.
وهذا الوعِيدُ يحتمل أن يكُون مَخْصُوصاً بقوله :﴿ فَرُدُّوهُ ﴾، ويُحْتَمل أن يكُون عَائِداً إلى قوله :« أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ».

فصل


ظاهر قوله :﴿ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ﴾ يَقْتَضِي أنَّ من لم يُطِع الله والرَّسُول لا يَكُونُ مُؤمِناً، فيخرج المُذْنِب عن الإيمانِ، لكِنَّه مَحْمُولٌ على التَّهْديدَ، وقوله :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ أي : الَّذي أصْدُقُكم في هذه الآيَاتِ من الأحْكَام، والطَّاعَة، والردِّ إلى اللهِ والرَّسُول خيرٌ لكم، « وأحسن تأويلاً »، أي : مآلاً؛ لأن التَّأوِيل عِبَارةٌ عن الشَّيْء ومرْجِعِه وعاقِبتهِ و ﴿ تَأْوِيلاً ﴾ نَصْب على التَّمْيِيز.

فصل


قال أبو العبَّاس المُقْرِي : ورَدَ التَّأويل في القُرْآنِ على أرْبَعَةِ أوْجُه :
الأوَّل : بمعنى العَاقِبَة كَهَذِه الآيَة.
الثاني : بمعنى المُنْتَهى؛ قال - تعالى - :﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله ﴾ [ آل عمران : ٧ ] أي : ما يَعْلَمُ مُنْتَهَى تأويلِهِ إلا الله.
الثالث : بمعنى تَعبير الرُّؤيَا؛ قال - تعالى - :﴿ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ [ فَأَرْسِلُونِ ] ﴾ [ يوسف : ٤٥ ] أي : بعبَارتهِ؛ ومثله :﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث ﴾ [ يوسف : ٦ ] أي : تَعْبير الرُّؤيَا.
الرابع : بمعنى التَّحقِيق؛ قال - تعالى- :﴿ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ] أي : تحقيق رُؤيَايَ؛ ومثل الوجه الأوَّل :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ] أي : عاقبته، [ ومثله :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [ يونس : ٣٩ ] أي : عَاقبته.


الصفحة التالية
Icon