قال أبو العباس المقرئ :« ورد لفظ أدنى في القرآن على وجهين :
الأول : بمعنى أحرى قال تعالى :﴿ ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾.
والثاني : بمعنى »
دون « قال تعالى :﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [ البقرة : ٦١ ] يعني الرديء بالجيد ».
قوله تعالى :﴿ أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ في محل نصب أو جرٍّ على الخلاف المشهور في « أن » بعد حذف حرف الجر، وفي ذلك الحرف المحذوف ثلاثة أوجه :
أحدها :« إلى » أي : أدنى إلى ألا تعولوا.
والثاني :« اللام » والتقدير : أدنى لئلا تعولوا.
والثالث : وقدّره الزمخشريُّ من ألا تميلوا؛ لأن أفعل التفضيل يجري مجرى فعله، فما تعدى به فعله [ تعدى ] هو به، وأدنى من « دنا » و « دنا » يتعدى ب « إلى » و « اللام »، و « من » تقول : دنوت إليه، وله، ومنه.
وقرأ الجمهور :« تعولوا » من عال يعول إذا مال وجار، والمصدر العول والعيالة، وعال الحاكم أي : جار.
حكي أن أعرابياً حكم عليه حاكم فقال له : أتعول عليَّ.
وقال أبو طالب في النبي عليه السلام [ الطويل ]

١٧٤٣-............................ لَهُ حَاكِمٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ
وروي عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً عن النبي ﷺ في قوله :﴿ ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ [ النساء : ٣ ] قال :« لاَ تَجُورُوا ».
وفي رواية أخرى « ألا تميلوا ».
قال الواحدي رحمه الله :« كلا اللفظين مرويّ؛ وعال الرجل عيالَهُ يَعُولهم إذا مانَهُمْ من المؤونة ومنه أبْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بمَنْ تَعُول ».
وحكى ابن العرابي : عال الرجل يعول : كثر عياله، وَعَالَ يِعِيلُ افتقر وصار له عائلة، والحاصل أن « عال » يكون لازماً ومتعدياً، فاللازم يكون بمعنى : مال وجار، والمتعدي ومنه « عال الميزان ».
قال أبو طالب :[ الطويل ]
١٧٤٤- بِمِيزانِ قِسْطٍ لا يَغِلُّ شَعِيرَةً وَوَزَّان صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ
وعالت الفريضة إذا زارت سهامها، ومعنى كثر عياله، وبمعنى تفاقم الأمر، والمضارع من هذا كله يَعُولُ، وعال الرجل افتقر، وعالَ في الأرض : ذهب فيها، والمضارع من هذين يَعِيل، والمتعدي يكون بمعنى أثقل، وبمعنى مانَ من المؤونة، وبمعنى غَلَبَ ومنه « عيل صبري »، ومضارع هذا كله يَعُول، وبمعنى أعجز، تقول : أعجزني الأمرُ، ومضارع هذا يَعيل، والمصدر « عَيْل » و « مَعِيل »، فقد تلخص من هذا أن « عال » اللازم يكون تارة من ذوات الواو، وتارة من ذوات الياء، باختلاف المعنى، وكذلك عال المتعدي أيضاً. ومنه :[ الطويل ]
١٧٤٥- وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ وفسَّر الشافعي رحمه الله ﴿ تَعُولُواْ ﴾ بمعنى يكثر عيالُكُم.
وردَّ هذا القول جماعة كأبي بكر بن داود الرازي والزجاج وصاحب النظم.


الصفحة التالية
Icon