و ﴿ مِّن لَّدُنَّآ ﴾ : فيه وَجْهَان :
أظهرهما : أنه مُتعلِّق [ ب ﴿ وَءَاتَيْنَاهُمْ ﴾.
والثاني : أنه مُتَعَلِّق ] بمحْذُوفٍ؛ لأنه حالٌ من « أجْراً » لأنَّه في الأصْلِ صِفَة نكرة قُدِّمَت عليها. و « أجْراً » مَفْعُول ثانٍ ل « ءَاتَيْنَاهُم »، و ﴿ صِرَاطاً ﴾ مَفْعول ثانٍ ل ﴿ لَهَدَيْنَاهُمْ ﴾.
فصل
قال الجُبَّائِي : دَلَّت هذه الآيَةُ على أنَّه -تعالى- لمَّا لم يُكَلِّفْهُم ما يَثْقُلُ عَلَيْهم، فبأن لا يَكَلِّفَهُم ما لا يُطِيقُونَ أوْلَى.
والجواب : إنَّما لم يُكَلَّفُهم بهذه الأشْيَاءه الشَّاقَّة؛ لأنَّه لو كَلَّفَهُم بها لما فَعَلُوهَا، ولو لم يَفْعلُوهَا، لوقَعُوا في العَذَاب، ثم إنَّه -تعالى- عَلِم من أبِي جَهْلٍ وأبِي لَهَبٍ عدم الإيمانِ، وأنهم لا يسْتَفِيدُون من التَّكْلِيفِ إلاَّ العِقَاب الدَّائِم، ومع ذلِك فإنَّهُ كَلَّفَهُم الإيمَان فلمَّ كان جَوَاباً عن هَذَا، فهو جوابٌ عما ذكَرْت.
فصل : دلالة الآية على عظم الآجر
دلَّت هذه الآيةُ على عِظَمِ هذا الأجْرِ من وُجُوه :
أحدُها : أنه ذَكَر نَفْسه بصيغة العَظَمَةِ، وهو قوله :﴿ لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّآ ﴾ والمُعْطِي الحكيم إذا ذكَر نَفْسَه ( باللَّفْظِ الدَّالِّ على ) العظمة، وهو قوله :﴿ وَءَاتَيْنَاهُم ﴾ عند الوَعْد بالعَطِيَّة -دلَّ على عِظَم تَِلْك العَطِيَّة.
وثانيها : قوله :﴿ مِّن لَّدُنَّآ ﴾ هذا التَّخصيص يَدُلُّ على المُبَالَغَةِ، كما في قوله :﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ﴾ [ الكهف : ٦٥ ].
وثالثها : أنه وَصَفَ الأجْرَ بكَوْنِهِ عَظِيماً، والذي وَصَفَهُ أعْظَم العُظَمَاء بالعَظَمَةِ، لا بد وأن يكُون في نِهَاية العِظَم، قال -E- :« [ فيها ] ما لاَ عَيْنٌ رَأتْ، ولا أذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَر ».
والمراد ب « الصراط المستقيم » : هو الدِّين الحَقّ؛ لقوله :« وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ».
وقيل : الصِّرَاط هو الطَّريق من عرصة القيامة إلى الجَنَّة؛ لأنه -تعالى- ذكَرَهُ بعد الثَّوابِ والأجْرِ، فكان حَمْلُه عليه في هَذَا الموضِع أولى.