الثاني : قال ابن الخَطِيب : إنه - تعالى- وعد المُطيعين في الآيةِ المتقدِّمَة بالأجْر العَظِيم والهداية، ووعَدهُم هنا بِكَوْنِهِم مع النّبِيَّين [ كما ذكر في ] الآية، وهَذَا الذي خَتَمَ به أشْرُف ممَّا قَبْلَهُ، فليس المُرادُ مَنْ أطَاعَ الله وأطاعَ الرَّسُول مع النَّبِيِّين والصِّدِّيقين - كَوْن الكل في دَرَجَةٍ واحِدَةٍ؛ لأن هذا يقْتَضِي التسوية في الدَّرجة بين الفَاضِلِ والمَفْضُوُل، وأنَّه لا يجُوزُ، بل المُرادُ : كونُهم في الجَنَّةِ بحَيْثُ يتمكَّن كل واحدٍ مِنْهُم من رُؤيَة الأخَرَ، وإن بَعُد المَكَان؛ لأن الحِجَابِ إذَا زَالَ، شَاهدَ بَعْضُهم بَعْضَاً، وإذا أرَادُوا الزِّيَارَة والتَّلاقِي قَدَرُوا عَلَيْهِ، فهذا هُو المُرادُ من هَذِه المَعيَّة.
قوله :﴿ مِّنَ النبيين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنه بَيَان ل « الذين أنعم الله عليهم ».
الثاني : أنه حلٌ من لضمير في « عليهم ».
الثالث : أنه حلٌ من الموصُول، وهو في المَعْنَى كالأوَّل، وعلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْن فيتعلَّق بمحْذُوف، لأي : كَائِنين من النَّبِيِّين.
الرابع : أن يَتَعلَّق ب « يُطِع » قال الرَّاغِب :[ أي ] : ومن يُطِع الله والرَّسُول من النَّبِيّين ومَنْ بَعْدَهُم، ويكون قوله :﴿ فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم ﴾ إشارةٌ إلى الملإ الأعْلَى.
ثم قال :﴿ وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً ﴾ ويُبيَّين ذلك قوله - عليه السلام - عند المَوْتِ :« اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى » وهذا ظاهِر، وقد أفْسَدَهُ أبو حَيَّتن من جِهَةِ المَعْنَى، ومن جَهَةِ الصِّنَاعَة :
أمَّا من جِهَة المَعْنَى : فلأن الرَّسُول هُنَا هو مُحَمَّد ﷺ، وقد أخْبَر- تعالى- أنَّه من يُطِع الله ورسُولَهُ، فهو مع مَنْ ذَكَرَهُ، ولو جَعَلَ « مع النبيين » متَعلِّقاً ب « يُطِع »، لكان « من النبيين » تَفْسيراً ل « مَنْ » الشَّرطيَّة، فَيَلْزَم أن يَكُونَ في زَمَانِهِ- ﷺ - [ أو بَعْدَهُ أنْبياء ].
وأمَّا من جِهَةِ الصِّنَاعَةِ؛ فلأن ما قَبْلَ الفَاءِ [ يُطيعُونَه، وهذا غَيْر ممْكِن؛ لقوله تعالى :﴿ وَخَاتَمَ النبيين ﴾ وقوله ] - عليه السلام- :« ولا نَبِيّ بَعْدِي » الوَاقِعَة جَوابَاً للشَّرْطِ لا يعمل فيما بَعْدَهَا، لو قُلْتُ، إن تَضْرِب يَقُم عَمْرو وزَيْداً لم يَجُزْ : وهل هذه الأوْصَاف الأرْبَعة لِصِنْفٍ واحدٍ أو لأصنَافٍ مختلفة؟ قولان.
فصل في تفسير المراد بالنبي والصديق والشهيد
قيل : المُرَاد بالنَّبِيَّين والصِّدِّيقين والشُّهَداء والصَّالِحِين : صِنْفٌ واحد من النَّاس، وقيل : المراد أصْنَاف مُخْتَلِفَة؛ لأن المَعْطُوف يَجبُ أن يكُون مُغَايِراً للمعْطُوف عَلَيْهِ، وقيل : الاخْتِلاَف في الأصْنَافِ الثَّلاثة غير النَّبِيِّين، فالصِّدِّيقُون هُمْ أصْحَابُ النَّبيِّ ﷺ، والصِّدِّيق : هو اسمٌ للمُبَالِغِ في الصِّدْقِ، ومن عادَته الصِّدْق.