وقيل : الصِّدِّيق : هو اسمٌ لمن سَبَقَ إلى تَصْديق النَّبي ﷺ، [ وعلى هذا فأبُو بكر أوْلَى الخَلق بهذا الاسْم؛ لأنَّهُ أول من سَبَقَ إلى تَصْديق النَّبي ﷺ ] ؛ واشْتَهَرَت الرِّوَاية بذلك، وكان عَلَيَّ صَغِيراً واتَّفَقُوا على أنَّ أبا بَكْر لمَّا آمَنَ، جَاءَ بَعْدَ ذلك بِمُدَّة قَلِيلَة بِعُثْمَان بن عَفَّان - رضي الله عنه-، وطَلْحَة بن الزُّبَيْرِ، وسَعْد بن أبي وقَّاص، وعُثْمَان بن مَظْعُون- رضي الله عنهم- حتى أسْلَمُوا، فكان إسْلامُه سَبَباً لاقْتِدَاء هؤلاء الأكَابِرِ بِهِ؛ فثبت أنَّه - رضوان الله عَلَيْه- كان أسْبَق النَّاس إسلاماً، وإن كان إسلامُه صَار سَبَباً لاقْتِدَاء الصَّحَابَةِ في ذَلِكَ، فَكَانَ أحَقَّ الأمَّة بهذا الاسْم أبو بكر، وإذا كان كَذِلِكَ، كان أفْضَل الخَلْقِ بعد الرَّسُول [ ﷺ ]، وجَاهَدَ في إسْلامِ أعْيَان الصَّحَابةِ - رضي الله عنهم- في أوّل الإسْلام، حين كان النَّبيُّ ﷺ في غَايَةِ الضَّعْفِ، وَعَلَيَّ - رضي الله عنه- إنما جاهدَ يَوْمَ أحُدٍ ويَوْمَ الأحْزابِ، وكان الإسْلامُ قَوِيَّاً، والجهاد وَقْتَ الضَّعْفِ أفْضَلَ من الجِهَادِ وقت القُوَّة؛ لقوله - تعالى- :﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [ الحديد : ١٠ ]، ودلَّ تَفْسِير الصِّدِّيق بما ذَكَرْنَا، على أنَّهُ لا مَرْتَبَةَ بعْد النُّبُوَّة [ أشْرَف ] في الفَضْلِ إلا الصِّدِّيق، فإنه أينما ذُكِرَ النَّبِيُّ والصِّدِّيق لَمْ يُجْعَل بينهما وَاسِطَةِ، قال - تعالى - في صفة اسْماعيل :﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد ﴾ [ مريم : ٥٤ ]، وفي صِفَةِ إدْرِيس :﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ﴾ [ مريم : ٤١ ]، وقال هُنَا، ﴿ مِّنَ النبيين والصديقين ﴾ وقال :﴿ والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [ الزمر : ٣٣ ]، فلم يجْعَل بَيْنَهُمَا وَاسِطَة، وقد وفَّقَ الله الأمَّة التِي هي خَيْر أمَّةِ، حتى جَعَلُوا الإمام بعد الرَّسُول - ﷺ - أبا بَكْر على سبيل الإجْمَاع، ولما تُوُفي- رضي الله عنه- دُفِنَ إلى جَنْبِ رسُولِ الله ﷺ، وهذا دَليلٌ على أنَّ اللهَ- تعالى- رفع الواسِطَة بين النَّبِيِّين والصِّدِّيقين.
وأمَّا « الشهداء » قيل : الذين استشهدوا يوم أُحُد، وقيل : الَّذِين استشهدُوا في سَبيل الله.
وقال عكرمة- رضي الله عنه- : النَّبِيُّون هَهُنَا مُحَمَّد ﷺ، والصِّدِّيقُون أبُو بكر، والشُّهَدَاء، عُمَر وعُثْمَان وعَلِبّ، والصَّالِحُون : سائر الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم [ أجمعين ].
قال ابن الخطيب : لا يجُوزُ أن تكون الشَّهَادَةُ مُقَيَّدة بكون الإنْسَانِ مَقْتُول الكَافِر؛ [ لأن مَرْتَبَةَ الشَّهَادَةِ مَرْتَبَة عَظيِمة في الدِّين، وكون الإنْسَان مَقْتُول الكَافِر ] ليس زيَادة شَرَفٍ، لأنّ هذا القَتْل قد يَحْصُلُ في الفُسَّاق، وفِيمَن لا مَنْزِلَة له عِنْدَ الله.