[ قوله ] :« ثبات » نصب على الحَالِ، وكذا « جميعاً » والمَعْنَى « انْفِرُوا جَمَاعَاتٍ [ متفرِّقَة ] [ أي ] سَرِيّة بعد سَرِيّة، أو مُجْتَمِعِين كَوْكَبَةً وَاحِدَة، وهذا المَعْنَى الَّذي أراد الشَّاعِر في قوله :[ البسيط ]

١٨٢١-......................... طَارُوا إلَيْه زَرَافاتٍ وَوُحْدَانَا
ومثله قوله :﴿ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ﴾ أي : على أيّ الحَالَتَيْن كُنْتُم فَصَلُّوا.
قال أبُو حَيَّان : ولم يُقْرَأ »
ثبات « فيما عَلِمْت إلا بكَسْر التَّاء. انتهى.
وهذه هي اللُّغَةُ الفَصيحَة، وبَعْض العَرَب يَنْصِب جَمْع المُؤنَّث السَّالم إذا كان مُعْتَلَّ اللام مُعوضاً منها تاء التأنيث بالفَتْحَة، وأنشد الفرَّاء :[ الطويل ]
١٨٢٢- فَلَمَّا جَلاَهَا بالأيَّام تَحَيَّزَتْ ثُبَاتاً عَلَيْهَا ذُلُّهَا واكْتئابُهَا
وقرئ شاذاً :﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات ﴾ [ النحل : ٥٧ ] [ بالفتحة ]، وحكي : سَمِعْتُ لغتَهُم، وزعم الفَارِسي أن الوَارِدَ مُفْردٌ لامه؛ لأن الأصْل »
لُغَوَة « ؛ فلما رُدَّت اللام، قُلِبَت ألفاً، وقد رُدَّ على الفَارِسي : بأنه يلْزَمُهُ الجَمع بين العِوَض والمُعَوَّضِ مِنْه، ويَرُدُّ عليه أيْضاً القِرَاءة المتقَدِّمة في الثبات؛ لأن المُفْرَد منه مكْسُورُ الفَاءِ.
[ »
وثبات « جَمْعُ ثُبَة، ووزنها في الأصْل : فُعَلَة، كَحُطَمة، و ] إنما حُذِفَت لامُها وعُوض عنها تاءُ التَّأنِيثِ، وهل لامها واواً أو يَاء؟ قولان :
حُجَّة القَوْل الأول : أنها مُشتقَّة من [ ثَبَا يُثْبُو؛ كَخَلا يَخْلُو، أي : اجْتَمع.
وحُجَّةُ القول الثاني : أنها مُشْتَقة من ] ثبيت على الرجل إذا أثْنيت عليه؛ كأنك جمعت مَحاسنه، وتجمع بالألفِ والتَّاءِ، وبالوَاوِ والنَّونِ، ويجوز في فَائِهَا حين تُجْمَع على »
ثُبين « الضَّم والكَسْر، وكذا ما أشبَهَهَا، نحو : قُلة، وبُرة، ما لم يُجْمَع جَمْع تكْسِير.
والثُّبة : الجَمَاعة من الرِّجَال تكُون فَوْقَ العَشرة، وقيل : الاثْنَانِ والثَّلاثة، وتُصَغَّر على »
ثُبْيَة «، بردِّ المَحْذُوف، وأما » ثُبة الحَوْضِ « وهي وَسطُهُ، فالمحذُوفُ عَيْنُها، لأنَّها من بابِ المَاء، أي : يَرْجِع، تُصَغِّر على » ثُوَيْبَةٍ « ؛ كقولك في تَصْغيرِ سَنَة : سُنَيْهَة.

فصل


قال القرطبي : قيل إن هذه الآية مَنْسُوخة بقوله :﴿ انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ﴾ [ التوبة : ٤١ ] وبقوله ﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ التوبة : ٣٩ ] [ ولأن يكُون ﴿ انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ﴾ [ التوبة : ٤١ ] مَنْسُوخاً بقوله :﴿ فانفروا ثُبَاتٍ أَوِ انفروا جَمِيعاً ﴾، وبقوله :﴿ وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ﴾ [ التوبة : ١٢٢ ] اولى؛ لأن فرض الجِهَادِ على الكِفَايَة، فمتى سَدَّ الثُّغُورَ بَعْضَ المسْلِمِين، أسْقِطَ الفَرْضُ عن البَاقِينَ.
قال : والصَّحِيحُ أن الآيَتَيْنِ محكْمَتَانِ، إحَدَاهما : في لوَقْتِ الذي يُحْتَاجُ فيه إلى تعيُّن الجَميع، والأخْرَى : عند الاكْتِفَاء بِطَائِفَةٍ دُون غَيْرِهَا.
قوله :﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ﴾ »
منكم « خبر مُقَدَّم ل » إنْ « واسمُها، و » لمَنْ « دخلت اللام على الاسْم تأكِيداً لما فَصَلَ بَيْنَه وبَيْنَهَا بالخَبَر، و » من « يجوزُ أن تكُونَ مَوْصُولة، [ أو نكرة مَوْصُوفة ] واللاّم في » ليبطئن « فيها قَوْلان :
أصحهما : أنها جَوَابُ قَسَم مَحْذُوف، تقديره أُقْسِمُ بالله لَيُبَطِّئنَّ، والجُمْلَتَان- أعْنِي- القَسَم وجَوابُه- صِلَة ل »
مَنْ «، أو صِفَةٌ لَهَا على حَسَبِ القَوْلَيْن المُتَقَدِّمَيْن، والعَائِدُ على كِلاَ التَّقْدِيرَيْن هو الضَّمِير المرفُوع ب » ليبطئن «، والتَّقْدِير : وإنْ مِنْكُم لِلَّذِي، أو لَفَرِيقاً والله لَيُبَطِّئَنَّ.


الصفحة التالية
Icon