واسْتَدَلَّ بعض النُّحَاة بهذه الآيَةِ على أنَّه يجوز وَصْلُ المَوْصُولِ بجملة القَسَمِ وجوابه [ إذا عَرِيَتْ جُمْلَةُ القَسَم من ضمير عَائِدٍ على الموصول نحو :« جاء الذي أحْلِفُ باللهِ لقد قام أبوه » وجعله ] ردَّا على قدماء النحاة، حيث زَعَمُوا مَنْعَ ذلك [ ولا دلالة على ذلك ]، إذ لقائل أن يقُول : ذلك القَسَم المَحْذُوفُ لا أقَدِّرُهُ إلا مُشْتَمِلاً على ضَمِيرٍ يَعُود على المَوْصُول.
والقول الثاني : نقله ابن عَطِيَّة عن بَعْضِهِم : أنَّها لام التَّأكِيد بَعْدَ تأكيد، وهذا خطَأٌ من قَائله، والجُمْهُور على « ليبطئن » بتشديد الطَّاءِ.
ومُجَاهد بالتَّخفيف : و [ على ] كلتا القِرَاءَتيْن يُحْتَمل أن يكُون الفِعْل لازماً ومُتَعَدِّياً، يقال : أبْطَأَ وبَطَّأ أي تَكَاسَلَ وتَثَبَّط، والتَّبْطِئَة : التَّأخُر عن الأمْرِ، فهذان لزِمَان، وإن قُدِّر أنهما مُتَعَدِّيانِ، فمعُمُولُهُمَا مَحْذُوفٌ، أي : ليُبَطِّئَنَّ غَيْرَه، أي : يُثَبِّطُه ويُجِبْنُه عن القَتَالِ، و « إذ لم أكن » ظرف، نَاصِبُهُ :« أنعم الله ».
فصل في تفسير « منكم »
قوله :« منكم » اختَلَفُوا فيه :
فقيل : المُرادَ منه : المُنافِقُون وهم عبدُ الله بن أبّيِّ وأصحابه، كانوا يُثَبِّطُونَ النَّاس عن الجِهَادِ مع رسُولِ اله ﷺ.
فإن قيل : تَقْدِير الكَلاَمِ يأيُّهَا الَّذِين آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُم وأن مِنْكُم لمن ليُبَطِّئَنَّ، فإذا كان عَذا المُبَطِّئ مُنَافِقاً، فكيف يُجْعَلُ قِسْماً من المُؤمِن في قوله « أن منكم ».
فالجواب : أنه جعل المُنافقين من المُؤمنين من حَيْثُ الجِنْسِ والنَّسَبِ والاخْتِلاَطِ، أو من حيث الظَّاهِر؛ لتشبههم بالمُؤمنين، أو من حَيث زعمهم ودَعْواهُم، كقوله :﴿ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر ﴾ [ الحجر : ٦ ].
وقيل : المراد ضَعَفَهُ المؤمنين، وهو اخْتِيَار جَمَاعَةٍ من المُفَسِّرين، قالُوا : والتَّبْطِئَةُ بمعنى الإبْطَاء، وفَائِدَة هذا التِّشْديد تَكَرُّر الفِعْلِ مِنْهُ.
حكى أهْل اللُّغَة أن العَرَبَ تَقُول : ما بَطأ بك يا فُلانُ عَنَّا، وإدْخَالهم البَاء يَدُلُّ على أنَّه في نَفْسِه غير مُتَعَدٍّ، فَعَلَى هذا مَعْنَى الآية : أن فيهم من يُبطئُ عن هذا الفَرْضِ ويتثاقل عن الجَهَادِ، وإذا ظَفِر المسْلِمُون، تَمنَّوْا أن يكُونُوا مَعَهُم ليَأخُذُوا الغَنِيمَة.
قال : هؤلاء هُمُ الَّذيِن أرادَ الله بقوله :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُمْ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]، قال : ويَدُلُّ على أنَّ المُرَاد بقوله :« ليبطئن » الإبْطَاء منهم لا تَثْبِيطَ الغَيْرِ، لم يَكُن لِهَذا الكَلاَمِ مَعْنًى.
وطعن القَاضِي في هذا القَوْلِ : بأنه - تعالى - حَكَى أن هؤلاَء المُبَطِّئِين، يقولون من الله - تعالى-، وهذا إنما يَلِيقُ بالمُنَافِقين، وأيضاً لا يَليق بالمُؤمنين أن يُقال لهم :﴿ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ ﴾، يعني الرَّسُول « مودة »، ثم قال : وإن حُمِلَ « ليبطئن » على أنه من الإبْطَاءِ والتَّثَاقُل، صح في المُنَافِقِين، لأنهم كانوا يَثَاقَلُون.