والثَّاني : أنها زمان.
والثَّالث : أنها حَرفٌ.
قيل في « إذا » هَذِه : إنها فجَائِية مَكَانِيَّة، وأنها جوابٌ ل « لَمَّا » في قوله :﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ﴾، وعلى هَذَا فَفِيها وَجْهَان :
أحدُهُما : أنها خَبَر مقدَّمٌ، و « فريق » : مبتدأ، و « منهم » : صفةٌ ل « فَرِيقٌ »، وكذلك « يَخْشَون »، ويجُوزُ أن يكونَ « يَخْشَون » حالاً من « فريق » لاختصاصه بالوَصْفِ، والتَّقْديرُ :« فبالحضرة فريق [ فهو ] كائن منهم خَاشُون أو خَاشِين ».
والثاني : أن يكون « فريقٌ » مُبْتَدأ، و « منهم » : صفته، وهو المُسَوِّغُ للابْتِداء به، و « يَخْشَوْن » : جملة خبريةٌ وهو العَامِلُ في « إذا »، وعلى القَوْلِ الأوَّلِ : العَامِلُ فيها مَحْذُوفٌ على قَاعِدة الظُّرُوف الوَاقِعة خبراً.
وقيل : إنَّها هنا ظَرْفُ زمانٍ، وهذا فَاسِدٌ؛ لأنها إذْ ذَاك لا بُدَّ لها من عَامِلٍ، وعامِلُها إمَّا ما قَبْلَها، وإمَّا ما بَعْدَها، لا جائز أن يكُون ما قَبْلَها لأن ما قبلها وهو « كُتب » ماضٍ لفظاً ومعنى، وهي للاسْتِقْبال، فاستحال ذلك.
فإن قيل : تُجْعَلُ هنا للمُضِيِّ بمعنى « إذا ».
قيل : لا يجُوز ذلك؛ لأنه يصيرُ التقدير : فلمَّا كُتِب عَلَيْهم القِتَال في وَقْتِ خَشْيةِ فَرِيقٍ مِنْهُم، وهذا يفتقرُ إلى جَوَابِ « لَمَّا » ولا جَوابَ لها، ولا جَائزٌ أن يَكُونَ ما بَعْدها؛ لأنَّ العَامِل فيها إذا كان بعدها، كان جواباً لها، ولا جَوابَ لها هُنَا، وكان قد تَقَدَّم أوَّلَ البقرة أنَّ في « لَمَّا » قولين : قولَ سيبويه : أنَّها حَرْف وجوب لوُجُوب، وقول الفَارِسي : إنها ظَرْفُ زمانٍ بِمَعْنى « حين » وتقدَّم الردُّ عليه، بأنَّها أُجيبت ب « مَا » النَّافِية وإذا الفُجَائِية، وأنَّ ما بَعْدَها لا يَعْمَل فيما قَبْلَها، فأغْنى عن إعادته، ولا يجُوزُ أن يعمل ما يَلِيها فيها؛ لأنه في مَحَلِّ خَفْض بالإضَافَةِ على زَعْمِه، والمُضَافُ إليه لا يَعْمَل في المُضَافِ.
وقد أجابَ بعضهم، بأنَّ العامل فيها هنا مَعْنى « يخشون » ؛ كأنه قيل : جَزِعوا، قال :« وجزعُوا هو العَامِلُ في » إذا «، وهذا الآية مُشكلةٌ؛ لأنَّ فيها ظَرْفَيْن : أحدُهما لما مَضَى، والآخرُ لِما يُسْتَقْبَل ».
قوله :« كخشية الله » فيه ثلاثةُ أوجه :
أحَدُها -وهو المَشْهُور عند المُعْربين : أنها نَعْتُ مصدرٍ مَحْذُوفٍ، أي : خشيةٌ كخَشْيِة الله.
والثاني :-وهو المُقَرَّر من مذهب سيبويه غيرَ مرة- : أنَّها في مَحَلِّ نصب على الحَالِ من ضَمِير الخَشْيَة المَحذُوف، أي : يَخْشَوْنها النَّاسَ، أي : يَخْشون الخَشْيَة الناس مشبهةً خَشْيَة الله.
والثالث : أنَّها في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في « يخشون » أي : يَخْشَون النَّاسَ مثلَ أهل خَشْيَة الله، أي : مُشْبهين لأهل خَشْيَة الله أو أشدَّ خشية، أي : أشدَّ خَشْيَةً من أهل خَشْيَة الله.


الصفحة التالية
Icon