[ الصافات : ١٤٧ ] يعني : أنَّ من يُبْصِرهم يَقُول هذا الكلام؛ فكذا ههنا.
قوله :﴿ لولاا أَخَّرْتَنَا ﴾ أي : هَلاَّ أخرْتَنَا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ، يعني : الموْت أي : هلاّ ترَكْتنا حَتَّى نَمُوت بآجَالِنَا، وهذا كالعِلَّة لكَرَاهَتِهم إيجَاب القِتَالِ عليْهم، ثم إنَّه -تعالى- أجَابَهُم بقوله : قلْ يا مُحَمَّد :﴿ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ ﴾ أي : مَنْفعَتُها والاستِمْتَاعُ بها قَلِيلٌ، « والآخرة » أي : وثواب الآخِرة خَيْر وأفْضَل لمن اتَّقَى الشِّرْك ومَعْصِية الرَّسُول، وإنَّما كانت الآخِرَة خَيْرٌ؛ لأن نِعَم الدُّنْيَا قليلة [ فَانِيَةٌ ] ونعم الآخِرَة كَثِيرَة بَاقِيَةٌ ونِعَم الدُّنيا مُنْقَطِعة، ونِعَم الآخِرَة مؤبَّدة، ونِعَم الدُّنْيَا مشوبَةٌ بالهُمُومِ والمَكَاره، ونِعَم الآخِرَة صَافية من الكُدُورَات.
روى المستورد بن شَدَّادِ؛ قال : قال رسول الله ﷺ :« مَا الدُّنْيَا في الآخِرَة إلاَّ مِثْل مَا يَجْعَل أحَدُكُم أصْبُعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بمَ يَرْجِع ».
ثم قال :﴿ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾.
قرأ ابن كَثيرٍ، وأبُو جعفَر، وحمْزَة، والكسَائِي : باليَاء رُجوعاً إلى قَولِه -تعالى- :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ ﴾ والباقُون : بتاء الخِطَاب؛ كقوله :﴿ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ ﴾ والمعنى ﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ [ النساء : ٤٩ ]، أي : لا يُنْقَصُون من ثَوَابِ أعْمَالِهِم مثل فَتِيل النَّوَاةِ، وهو ما تفلته بيدِكَ ثم تُلْقِيه احْتِقَاراً.