في النَّظْم وجْهَان :
أحدهما : أنَّه لما أمَرَ المُؤمِنِين بالجهاد، أمَرَهُمْ أيضاً بأن الأعْدَاء لو رَضُوا بالمُسَالَمَةِ فكونوا أنْتُم [ أيضاً ] رَاضِين بها، فقوله :﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ ﴾ كقوله- تعالى- :﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا ﴾ [ الأنفال : ٦١ ].
والثَّانِي : أن الرَّجُل [ في الجِهَاد ] كان يلْقَّاهُ الرَّجُل في دَارِ الحَرْبِ أو ما يُقارِبُها، فَيُسَّلمُ عليه لا يَلْتَفِتُ إلى سلامِهِ [ ويقتله ]، وربَّمَا ظَهَرض أنَّهُ كان مُسْلِماً، فأمرهم بأن يُسَلِّم عليهم أو يُكْرِمهم، فإنهم يقابلونه بمثل ذَلِكَ الإكْرَام أو أزْيَد، فإن كان كَافِراً، لم يَضُرَّ المسلم مُقَابَلَة إكْرَام ذلك الكَافِر بنوع من الإكْرَام، وإن كان مسلماً فَقَتَلَه، ففيهِ أعْظَم المَضَارِّ والمفَاسِدِ، ويقال : التحية [ في الأصْلِ ] : البَقَاءِ والمِلْكُ.
قال القُرْطُبِي : قال عبد الله بن صالح العِجْليّ : سألت الكسَائِيُّ عن قوله :« التحيات لله » ما مَعْنَاهَا؟ فقال : التَّحِيَّاتُ مثل البَرَكَاتِ، قلت : ما معنى « البركات » ؟ فقالك ما سَمِعْت فيها شيئاً، وسألْت عنها مُحَمَّد بن الحسن [ فقال ] : هو شَيْءٌ تعبدّ الله به عبادَهُ، فقدِمْتُ الكُوفَة فلقيت عَبْدَ الله بن إدْرِيس : إنه لا عِلْم لهما بالشَّعْرِ وبهذه الأشْيَاءِ، التَّحِيَّة : المُلك وأنْشَدَهُ :[ الوافر ]
١٨٥١- أؤمُّ بِهَا أيَا قَابُوسَ حَتى | أُنِيحَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بجنْدِي |
١٨٥٢- وَلِكُلِ مَا نَالَ الفَتَى | قَدْ نِلْتُهُ إلاَّ التَّحِيّيهْ |
والأصل : تَحْيِيَة فأدغمت، وهذا الإدغَامُ واجبٌ خِلافاً للمَازِني، وأصْل الأصْل تَحْيِيُّ؛ لأنه مَصْدَر حَيّا، وحَيّا : فَعَّل مَصْدره على التَّفْعِيل، إلا أن يَكُون مُعْتَلَّ اللامِ؛ نحو : زكَّى وغَطَّى، فإنه تحذف إحْدَى اليَاءَيْن ويعوَّض منها تَاء التَّأنيثِ؛ فيقال : تَزْكِيه وتغْطِيَة، إلا ما شَذَّ من قوله :[ الرجز ]
١٨٥٣- بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيًّا | كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا |
وقال الرَّاغِب : وأصلُ التَّحِيَّة من الحياة، ثم جُعِلَ كلُّ دُعَاءٍ تحيَّة؛ لكون جميعه غير خَارجٍ عن حُصُولِ الحياة أو سَبَبِ الحَيَاةِ، وأصل التحية أن تَقُول :» حياك الله « ثم اسْتُعْمِل في الشَّرْعِ في دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ.
وجعل التحيَّة اسْماً للسَّلام؛ قال :-تعالى- :﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ ﴾ [ الأحزاب : ٤٤ ]، ومنه قول المُصَلِّي :» التحيات لله « أي : السَّلامة من الآفاتِ لله. قال [ الكامل ]
١٨٥٤أ- حُيِّيت مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ..............................
وقال آخر :[ البسيط ]
١٨٥٤ب- إنَّا مُحَيُّوك يا سَلْمَى فَحيِّينَا..........................