فصل في أفضلية « السلام عليكم »
واعلمْ أن قول القائِل لغيْره : السَّلام عليك، أتم من قوله :« حَيَّاك الله؛ لأن الحَيَّ إذا كان حليماً كان حَيَّا لا محالة، وليس إذا كان حَيَّا كان سَلِيماً؛ لأنَّه قد تكون حَيَاتُه مقرونَة بالآفاتِ، وأيضاً فإن السلام اسم من أسْمَاء الله -تعالى-، فالابْتِدَاء بِذِكْر الله -تعالى- أجْمَل من قوله : حيَّاك الله، وأيضاً : فَقَوْل الإنْسَان لغيره : السلام عَلَيْكَ، بشارة لَهُ بالسَّلام، وقوله حيَّاك الله لا يُفِيد ذَلِكَ، قالوا : ومَعنى قوله : السلام عليك، أي : أنْت سَلِيمٌ مِنِّي فاجعلني سَلِيماً مِنْك، ولهذا كَانَت العَرَبُ إيضا أسَاء بعضهم لم يَردُّوا السلام، فإن ردُّوا عليهم السلام، أمِنُوا من شرِّهم، وإن لم يَرُدُّوا عليهم السلام، لم يؤمنوا شَرَّهُم.
فصل في الوجوه الدَّالة على أفضلية السّلاَم
ومما يدل على أفْضَلِيَّة السلام : أنَّه من أسْمَاء الله -تعالى، وقوله - [ تعالى ] - ﴿ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا ﴾ [ هود : ٤٨ ]، وقوله :﴿ سَلاَمٌ هِيَ ﴾ [ القدر : ٥ ]، وقوله :﴿ والسلام على مَنِ اتبع الهدى ﴾ [ طه : ٤٧ ]، وقوله :﴿ قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ ﴾ [ النمل : ٥٩ ] وقوله :﴿ وَإِذَا جَآءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ]، وقوله :﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملاائكة طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ﴾ [ النحل : ٣٢ ]، وقوله :﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ [ الواقعة : ٩٠، ٩١ ]، [ وقوله ] :﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ]، وقوله :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ [ الرعد : ٢٣ ] وقوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ ﴾ [ الأحزاب : ٤٤ ]، وقوله :﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [ يس : ٥٨ ].
وأمَّا الأخْبَار : فرُوِي أن عبد الله بن سلام قال :» لمَّا سَمِعْت بقدوم الرَّسُول -E-، دخَلْتُ في غِمَار النَّاسِ، فأوَّل ما سَمِعْتُ مِنْهُ :« يا أيها الذين آمنوا، أفْشُوا السَّلاَمَ وأطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأرْحَامَ وصَلُّوا باللَّيْلِ والنَّاس نِيَامٌ تدخلون الجنة بسلام ».
وأما المَعْقُول : قال القتبي : إنما قال :« التحيات » على الجَمْعِ؛ لأنَّه كان في الأرْضِ ملوك يُحَيُّون بِتَحيِّاتٍ مختَلِفَات، [ فيقال ] لبعضهم : أبيْت اللَّعْنَ، ولبعضهم : اسْلَم وانْعَم، ولبعضهم : عِش ألْفَ سَنَةٍ، فقيل لَنَا : قولوا : التَّحِيَّات لله، أي : الألْفَاظ الَّتِي [ تدلُّ ] على امُلْك، ويكْنَى بها عن الله -تعالى- :
قالوا : تحية النَّصِارى وَضْع اليَدِ على الفَمِ، وتَحِيّةُ اليهود بعضهم لبعض : الإشارَةُ بالأصَابع، وتحيةُ المجُوس : الانْحِنَاء، وتحيَّةُ العرب بعضهم لِبَعْض قَوْلهم حَيَّاك الله، وللمُلوك أن يَقُولوا : انْعَمْ صَبَاحاً، وتحيَّةُ المُسْلِمين أن يقولوا : السلام عَلَيْكُم ورَحْمَة الله وبركاته؛ وهذه أشرف التَّحِيَّاتِ، ولأن السَّلام مشعِرٌ بالسَّلامة من الآفَاتِ، والسَّعْيُ في تَحْصِيل الصَّون عن الضَّرر أوْلى من السَّعْي في تَحْصِيل النَّفْع.
وأيضاً فإن الوَعْد بالنَّفْع قد يقدر الإنْسَان على الوَفَاءِ به وقَدْ لا يَقْدِر، وأما الوَعْد بترْك الضَّرَر، فإنه يكون قَادِراً عليه لا مَحَالة، والسَّلام يدلُّ عليْهِ.
فصل
من الناس من قال : السلامُ واجبٌ؛ كقوله -تعالى- :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ [ على أَنفُسِكُمْ ﴾ ] [ النور : ٦١ ]، ولقوله -عليه السلام- :