والجمهورُ على إثبات « أو »، وفي مُصْحَفِ أبَيٍّ :« جاءوكم » من غير « أوْ »، وخَرَّجها الزَّمَخْشَرِيُّ على أحَدِ أرْبَعة أوْجُه : إمَّا البيان ل « يصلون »، أو البَدَلِ منه، أو الصِّفة لقَوْم بعد صِفَة، أو الاستئنافِ.
قال أبو حيان :« وهي وجوهٌ مُحْتَمَلَةٌ وفي بعضها ضعفٌ، وهو البيانُ والبدلُ؛ لأن البيانَ لا يَكُون في الأفْعَالِ؛ ولأن البدل لا يتأتَّى لكونه ليس إيَّاه، ولا بعضه، ولا مُشْتَمِلاً عليه ». انتهى، ويحتاج الجَوَابُ عنه [ إلى ] تأمُّلٍ ونظرٍ.
قوله :﴿ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ﴾ فيه سبعة أوجُه :
أحدها : أنه لا مَحَلَّ لهذه الجُمْلَة، بل جِيءَ بها للدُّعاء عليهم بضيق صُدُورهم عن القَتَالِ، وهذا مَنْقثولٌ عن المُبَرِّد، إلاَّ أنَّ الفَارسِيَّ رضدَّ عيله بأنا مَأمُورون بأنْ نَدْعُوَ على الكُفَّارِ بإلقاءِ العَدَاوَة بينهم، فَنَقُولُ :« اللَّهُم أوْقِعِ العَدَاوَةَ بين الكُفَّار » لكن يكُونُ قوله :﴿ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ ﴾ نفياً لما اقْتَضَاهُ دعاءُ المُسْلِمين عليهم.
وقد أجَابَ عن هذا الردِّ بعضُ النَّاس؛ فقال بن عضطِيَّة :« يُخَرَّجُ قولُ المُبَرِّد على أن الدُّعَاء عليهم بألاَّ يقاتلوا المُسْلِمِين تعجيزٌ لَهُم، والدعاءُ عَلَيْهم بألاَّ يقاتلوا قومهم تَحْقيرٌ لَهُمْ، أي : هُمْ أقلُّ وأحْقَرُ ومُسْتَغْنى عَنْهُم، كما تقول إذا أردت هذا المَعْنَى :» لا جعل الله فُلاناً عليَّ ولا مَعِي « بمعنى : أسْتَغْنِي عنه وأستَقِلُّ دونَه ».
وأجاب غيرُه بأنَّه يجُوزَ أن يكونَ سُؤالاً لقومهم، على أنَّ قوله :« قومهم » قد يُحْتمل أن يُعَبَّر به عَمَّنْ لَيْسُوا منهم، [ بل عن مُعاديهم «.
الثاني : أنَّ »
حصرت « حالٌ من فاعل » جاءوكم « وإذا وَقَعت الحَالُ فعلاً مَاضِياً ففيها ] خلافٌ : هل يَحْتاج إلى اقْتِرانه ب » قَدْ « والراجِحُ عدمُ الاحْتِياج؛ لكثرة ما جاء منه، فَعَلى هذا لا تُضْمَرُ » قد « قَبْلَ » حصرت «، ومَنِ اشْتَرَط ذلك، قَدَّرها هنا.
والثالث : أنَّ »
حصرت « صفةٌ لحَالٍ محذوفةٍ، تقديرُه : أو جاءُوكم قوماً حَصِرَتْ صُدُورُهُم رجالاً حصرت صُدُورهم، فنصب لأنَّه صفة مَوْصُوف مَنْصُوب على الحال، إلاَّ أنه حذف المَوْصُوف المنْتَصب على الحَالِ، وأقيمت صِفته مَقَامَه وسَمَّاها أبو البقاء حالاً مُوَطِّئَة، وهَذَا الوجُه يُعْزَى للمُبرِّد أيضاً.
الرابع : أن يَكُون في مَحَلِّ جَرِّ صفةً لِقَوْم بعد صِفَة، و »
أو جاءوكم « مُعْتَرِضٌ.
قال أبُو البَقَاءِ : يَدُلُّ عليه قِرَاءةُ مَنْ أسْقَط »
أو « وهو أبَيٌّ، كذا نَقَلَهُ عنه أبو حيَّان والذي في إعْرَابِه إسقاطُ » أو جاءُوكم « جميعه، وهذا نَصُّه قال :» أحَدُهُما : هو جَرٌّ صِفَةً لقومِ، وما بَيْنَهُمَا صفة أيضاً، و « جاءوكم » هذا نَصُّه، وهو أوفق لهذا الوَجْهِ.


الصفحة التالية
Icon