الخامس : أن يكون بدلاً من « جاءوكم » بدلَ اشْتِمَال؛ لأن المَجِيء مشتمِلٌ على الحَصْر وغيره، نَقَلَه أبو حيان عن أبي البقاء أيضاً.
السادس : أنه حبرٌ بعد خَبَر، وهذه عِبَارة الزَّجَّاج، يعني : أنها جملة مُسْتَأنفَة، أخْبر بها عن ضِيق صُدُورِ هَؤلاَء عن القِتَال بعد الإخْبَار عَنْهُم بما تَقَدَّم.
قال انب عطية بعد حِكَاية قولِ الزَّجَّاج :« يُفَرَّق بين الحَالِ وبين خَبَرٍ مستأنفٍ في قولك :» جاء زَيْد رَكِبَ الفَرَسَ « أنك إذا أرَدْتَ الحَالَ بقولك :» ركب الفَرَس « قدَّرْتَ » قد «، وإن أرَدْت خَبَراً بعد خَبَر، لم تَحْتَجْ إلى تقدِيرها ».
السَّابع : أنه جَوَاب شَرْطِ مُقَدَّر، تقديره : إن جاءُوكُن حصرت [ صدورهم ]، وهو رأي الجُرجَانِيِّ، وفيه ضَعْفٌ؛ لعدم لدَّلاَلة على ذَلِك.
وقرأ الجُمْهُور :« حصرت » فعلاً ماضياً، وقرأ الحَسَن، وقتادة، ويعقوب :« حصرة » نَصْباً على الحَالِ بوزن « نبقة »، وهي تؤيِّد كونَ « حصرت » حالاً، ونقلها المَهْدَوِي عن عَاصِمٍ في رواية حَفْص، ورُوي عن الحَسَن أيضاً :« حصرات » و « حاصرات ».
وهاتان القراءتان تَحْتَمِلان أن تكُونَ « حصرات » و « حاصرات » نَصْباً على الحال، أو جَرّاً على الصِّفَة ل « قوم » ؛ لأنَّ جَمْع المُؤنَّث السَّالمِ يستوي جَرُّه ونَصْبُه، إلا أنَّ فيهما ضَعْفاً؛ من حيث إنَّ الوَصْفَ الرَّافع لظاهرٍ الفَصيحُ فيه أن يُوَحد كالفِعْلِ، أو يُجمَعَ جَمْعَ تَكْسِير ويَقِلُّ جمعُه تَصْحِيحاً، تقول : مررت بِقومٍ ذاهب جَوَاريهم، أو قيام جواريهم، ويَقِلُّ :« قائِمَاتٍ جَوَاريهم ».
وقرئ :« حصرةٌ » بالرفع على أنه خَبَر مُقَدَّم، و « صدورهم » مبتدأ، والجُمءلَة حال أيضاً. وقال أبو البقاء :« وإن كان قد قُرِئ :» حصرة « بالرَّفْع، فعلى أنَّه خَبَر، و » صدورهم «، مُبْتَدأ، والجُمْلَةٌُ حال ».
قوله :« أن يقاتلوكم » أصلُه : عن أنْ : فلمَّا حُذِف حَرْف الجَرِّ، جرى الخِلاف المَشْهُور، أهي في مَحَلِّ جَرٍّ أو نَصْب؟ والحَصْرُ : الضِّيق، وأصلُه في المكان، ثم تُوُسِّع فيه [ فأطْلِق على حَصْر القَوْل : وهو الضيق في الكلام على المُتَكلِّم والحصر : المكتوم ] قال :[ الكامل ]
١٨٦١- وَلَقَدْ تَسَقَّطَنِي الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا | حَصِراً بِسِرَِّكِ يَا أمَيْمُ ضَنينا |
فصل
اخْتَلَفُوا في الَّذِين اسْتَثْنَاهُم الله -تعالى- :
فقال الجُمْهُور [ هم ] من الكُفَّار والمَعْنَى : أنه -تعالى- أوجَبَ قتل الكَافِر، إلاَّ إذا كان مُعَاهِداً أوْ تَارِكاً للقِتَال، فإنَّه لا يَجُوز قَتْلَهم، وعلى هذا التَّقْدِير فالقول بالنَّسْخ لازم؛ لأنَّ الكافر وإن تَرَكَ القِتَال؛ فإنه يَجُوز قَتْله.
وقال أبُو مُسْلم الأصْفَهَاني : هم قوم من المُؤمِنين، وذكر ما تقدَّم عنه في كَوْن الاستِثْنَاءِ مُنْقَطِعاً.