قال ابن المُنْذِر : شبْه العمد يُعْمَل به عِنْدَنا، وممن أثبت شِبْه العَمْ الشَّعْبيُّ، والحَكَم، وحمَّاد، والنَّخعِيُّ، وقتادَةُ، وسُفْيَان الثَّوْريُّ، وأهل العِرَاقِ والشافعي وأحمد، وذُكِرَ عن مالكٍ، ورُوِيَ عن عُمَر بن الخَطَّاب، وعن عَلِيّ بن أبي طَالِبٍ- رضي الله عنهم أجمعين-.

فصل فيمن تلزمه دية شبه العمد


أجَمعُوا على أن دِيَة العَمْد في مالِ الجَانِي، ودية الخَطَأ على عاقِلَتِه، واختلفُوا في دية شبه العَمْد :
فقال الحَارِث العُكْلِي، وابن أبي لَيْلَى، وابن شُبْرُمة، وقتادة، وأبو ثَوْر [ هي ] في مال الجَانِي.
وقال الشَّعْبي، والنَّخْعِيّ، والحَكَم، والشَّافِعِيّ، والثَّوْرِيّ، ومحمد، وأحْمَد، وإسْحق، وأصحاب الرَّأي :[ هي ] على العاقلة.
قال ابن المُنْذِر : وهو الصَّحِيحُ : لأن النبي ﷺ جعل الجَنِين على عاقِلة الضَّارِبَة.

فصل


اخْتَلَفُوا في حُكْم هذه الآية :
[ فَرُوِي ] عن ابن عبَّاس أن قاتِل المرمن عَمْداً لا توبةَ لَهُ، فقيل له : أليْس قد قال الله - تعالى- في سورة الفُرْقَان :﴿ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] إلى قوله ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨- ٧٠ ] فقال : كانت هذه الآيةُ في الجاهِليَّة وذلك أن أناساً من أهْل الشِّرْك [ كانوا ] قد قَتَلُوا وزَنوا، فأتَوا رسُول الله ﷺ، فقالوا : إن الذي تدعُو إليه لَحَسنٌ، لو تخبرنا أنَّ لما عَلِمْنَا كَفَّارَة، فنزلت :﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ]، إلى قوله ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ ﴾ [ الفرقان : ٧٠ ] فهذه لأولَئِك، وأما الَّتي في النِّسَاء؛ فالرَّجل الذي إذا عرف الإسْلام وشرائِعَه، ثم قتل مُسْلماً متعمداً فجزاَؤُه جَهَنَّم.
وقال زيْد بن ثابت : لما نزلت الآيةُ التي في الفُرْقَان ﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ]، عجبنا من لينها، فلبثْنَا سبْعَة أشْهر ثم نزلت الغَلِيظَة بعد اللَّيِّنَة، [ فنزلت ] فَنَسَخَتْ الليِّنة، وأراد بالغَلِيِظَة هذه الآية، وبالَّيِّنَة أية الفُرقان.
وقال ابن عبَّاسٍ : تلك آية مكِّيَّة، وهذه مَدَنيِّة نزلت ولم يَنْسَخْهَا شيء.
وذهب أهل السُّنَّة إلى أن قَاتِل المُسْلِم عَمْداً توبته مَقْبُولة؛ لقوله - تعالى- ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ﴾ [ طه : ٨٢ ]، وقال :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، وما رُوي عن ابن عبَّاسٍ؛ فهو تَشديد ومُبَالغَة في الزَّجْرِ عن القَتْلِ، وليس في الآيَة متعلِّق لمن يَقُول بالتَّخْليد في النَّار بارتكاب الكبائر؛ لأن الآية نزلَتْ في قَاتِل [ وهو ] كَافِرٌ، وهو مقيس بن صبابة، وقيل : إنَّه وعيد لمن قَتَل كافراً مُخَلّداً في النَّارِ.
حكي أنَّ عمرو بن عُبَيْد جاء إلى عمرو بن العَلاءِ، فقال : هل يُخْلِف الله وعده؟ فقال : لا، فقال : ألَيْسَ قد قال- تعالى- :﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ﴾ فقال أبو عَمْرو : من العَجَم أتَيْت يا أبا عُثْمان : إن العرب لا تَعُدُّ الإخلاف في الوعيد خُلْفاً وذمَّا وإنَّما تَعُدُّ إخلاف الوَعْد خُلْفاً، وأنشد [ شعراً ] :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon