وقال آخرون : القِرَاءة بالرَّفع أولى؛ لأن الأصْل في كلمة « غَيْر » أن تكون صفة، كانت القراءة بالرَّفْع أوْلَى. فالضَّرر النُّقْصَان، سواء كان بالعَمَى أو العَرَج أو المَرَض، أو بسبب عَدَمِ الأهْبَة.
فصل
روى ابن شهاب عن سَهْل بن سعد السَّاعِدِي -Bه-؛ أنه قال :« رأيتُ مَرْوَان بن الحكم جَالِساً في المَسْجِد، فأقَبْلت حَتَّى جلست إلى جَنْبِه، فأخبرنا أن زَيْد بن ثَابتٍ -Bه- أخبره؛ أن رسُول الله ﷺ أملَى عَلَيه » لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله «، قال : فجاء ابنُ أمِّ مَكْتُوم وهو يُمْلِيها عليَّ، فقال : يا رسُول الله، لو أستطيعُ الجِهَاد لجَاهَدتُ، وكان رجلاً أعْمَى، فأنزل الله -تعالى- عليه وفخذُهُ على فَخْذِي، فثقلتْ عليّ حَتَّى خشفْتُ أن ترضَّ فَخذِي، ثم سري عنه »، فأنزل الله :« غير أولي الضرر » في فضل الجهاد والحثِّ عليه.
روى أنس -Bه-؛ « أنَّ رسُول الله ﷺ لمّا رَجَع من غَزْوَة تَبُوك، فَدَنَا من المَدِينَة فقال :» إن في المَدِينَة لأقْوَاماً ما سرتُمْ من مسيرٍ ولا قَطَعْتُم من وَادٍ وإلا كَانُوا مَعَكُم فيه، قالوا : يَا رسُول الله وَهُم بالمَدِينَة؟ قال : نعم وهم بالمدينة حبَسهم العذر «، وروى مقسم عن ابْن عبَّاس؛ قال :» لا يستوي القاعدون من المؤمنين « عن بَدْر، والخَارِجُون إلى بدر.
وقوله :» في سبيل الله بأموالكم « كلا الجارَّيْن متعلِّق ب » المُجَاهِدُون « و » المُجَاهِدُون « عَطْف على القَاعِدُون.
فصل
اخْتَلَفُوا في هذه الآية : هل تَدُلُّ على أن المُؤمنين القَاعِدِين الضْراء، يُسَاوُون المجاهدين أم لا؟.
قال بعضهم : لا تدل؛ لأنا إن حملنا لفظ » غَيْر « على الصفَة، وقلنا :[ إن ] التَّخْصِيص باصِّفَة لا يدل على نَفْي الحُكْم عمّا عَدَاه، لم يلزم ذلك، وإن حَمَلْنَاه على الاستِثْنَاء، وقلنا :[ إن ] الاستثناء من النَّفي ليس بإثْبَات، لم يلزم ذلك، أمَّا إذا حَمَلْنَاه على الاستثناء وقلنا : الاستثناء من النَّفْي إثبات، لزم القَوْل بالمُسَاوَاة.
واعلم أن هذه المُسَاواة في حق الأضْرَاء، عند من يَقُول بها مَشْرُوطة بشَرْط آخر ذكره الله -تعالى- في سُورة التَّوْبة، وهو قوله :﴿ لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى ﴾ [ التوبة : ٩١ ] إلى قوله :﴿ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [ التوبة : ٩١ ]، ويدل على المُسَاواة ما تقدَّم في حَدِيث غزوة تَبُوكٍ.
وتقرير ذلك قوله ﷺ :» إن بالمدِينَةِ قَوْماً ما سلكتُم وادِياً إلاَّ كَانُوا مَعَكُم «، وقال عليه السلام :» إذا مَرِضًَ العَبْدُ قال الله -تعالى- : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ «.
وقال المُفَسَِّرون في قوله -تعالى- :