﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ التين : ٥، ٦ ] ؛ أن من صَار هرماً، كتب له أجْر عمله قبل هرمه غير مَنْقُوص، وقالوا في تَفْسِير قوله -E- « نِيَّة المُؤْمَن خَيْرٌ من أجْر عَمَلِهِ » إن المُؤْمِن يَنْوِي الإيمان والعمل الصَّالح، لو عاش لهذا لا يحصَّل له ثواب تلك النِّيَّة أبداً.
قوله -تعالى- :﴿ فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً ﴾ لما بيَّن [ تعالى ] أن المُجاهدين والقاعِدين لا يَسْتَويان، ثم إن عَدَم الاسْتِوَاء يَحْتَمل الزِّيَادة والنُّقْصَان، لا جرم بَيَّنَه الله -تعالى-.
قوله :« درجةً » في نصبه أربعة [ أوْجُه :]
أحدها : أنها مَنْصُوبة على المَصْدر؛ لوقوع « درجة » موقع المَرَّة من التَّفْضِيل؛ كأنه قيل : فَضَّلهم تَفْيلة، نحو :« ضَرَبْتُه سَوْطاً » وفائدة التنكير التَّفْخِيم.
الثاني : أنها حَالٌ من « المُجَاهِدِين » أي : ذوي درجة.
الثالث : مَنْصُوبة انتصابَ الظَّرْف، أي : في دَرَجَةٍ ومَنْزِلة.
الرابع : انْتِصَابها على إسْقَاط الجَارِّ أي : بِدَرَجة.
فلما حُذِف الجَارُّ، وَصَل الفِعْل فعَمِل، وقيل : نُصِب على التَّمْيييز.
قوله :« وكلاًّ وعد الله الحسنى » « كلاًّ » مَفْعُول أول ل « وَعَد » مُقَدماً عليه، و « الحُسْنَى » مفعول ثان، وقرئ :« وكُلٌّ » على الرَّفْع بالابتداء، والجُمْلَة بعده خبره، وتالعَائشد مَحْذُوف، أي : وعده؛ وهذه كَقِرَاءة ابن عامر في سورة الحديد :﴿ وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [ الحديد : ١٠ ].
والمعنى : كلاًّ من القاعِدِين والمُجاهِدِين، فقد وَعَدَه الله الحُسْنَى.
قال الفُقَهِاء : وهذا يَدُلُّ على أن الجِهَاد فرض كِفَايَةٍ، وليس على كُلِّ واحدٍ بِعَيْنِه؛ لأنه -تعالى- وعد القاعِدِين الحُسْنَى كما وعَد المُجَاهِدِين، ولو كان الجِهَادُ واجِباً على كلِّ أحدٍ على التَّعْيين، لما كان القَاعِدُ أهْلاً لوعد الله إيَّاه الحُسْنَى.
وقيل : أراد ب « القَاعِدِين » هنا : أولِي الضَّرَر، فضَّل الله المُجَاهشدِين عليهم دَرَجَة؛ لأن المُجَاهِد باشَر الجِهَاد مع النِّيَّة، وأولُوا الضَّرر لهم نِيَّة بلا مُبَاشَرة، فنزلوا عَنْهُم درجَة وعلى هذا نزول الدَّلالة.
قوله -تعالى- :﴿ وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً ﴾ في انتصاب « أجراً » أربعة أوجُه :
أحدها : النَّصْب على المَصْدَر من مَعْنَى الفِعْل الذي قَبْلَه لا من لَفْظَه؛ لأن مَعْنَى « فَضَّلَ الله » : آجرَ؛ فهو كقوله : أطْرُهُم أجْرٌ، ثم قوله -تعالى- :﴿ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ [ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ﴾ بدل من قوله :« أجْراً ».
الثاني : أنه انْتَصَب على إسْقَاط الخافِضِ، أي : فضلهم بأجْر.
الثالث : النَّصْب على أنَّه مَفْعُول ثاني؛ لأنه ضَمَّن فضَّل معنى أعْطَى، أي : أعْطَاهُم أجراً تفضلاً مِنْه.
الرابع : أنه حالٌ من درجات ].
قال الزمخشري :« وانتصب » أجْراً « على الحَالِ من النّكرة التي هي » دَرَجَاتٍ « مقدَّمةًعليها » وهو غير ظَاهِر؛ لأنه لو تأخَّر عن « دَرَجَاتٍ » لم يَجُز أن يَكُون نعتاً ل « دَرَجَاتٍ » لعدم المطابقة؛ لأنَّ « درجات » جَمْع، و « أجْراً » مفرد، كذا ردَّه بعضهم، وهي غَفْلَة؛ فإنَّ « أجراً » مَصْدرٌ، والأفْصَح فيه يُوَحَّدَ ويُذَكَّر مكلقاً، [ وقيل : انتصب على التَّمْيِيز، و « دَرَجَاتٍ » عَطْف بَيَان ].


الصفحة التالية
Icon