[ البقرة : ٢٨ ] وبين قوله ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ].
فالجواب : خالق الموت هو الله- تعالى-، والمُفَوَّض إليه هذا العمل هو مَلك المَوْت وسَائِر الملائكة أعْوانه.
الثاني : توفَّاهم الملائِكة، يعني : يَحْشُرونهم إلى النَّار، قاله الحَسَن.

فصل


الظُّلْم قد يُراد به الكُفْر؛ كقوله- تعالى- :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ]، وقد يرادُ به المَعْصِيَة؛ كقوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ [ فاطر : ٣٢ ]، وفي المراد بالظُّلْمِ هَهُنَا قَوْلان :
الأول : قال بَعْضُ المُفَسِّرين : نزلت في نًاسٍ من أهْلِ مَكَّة، تكلَّمُوا بالإسْلام ولم يُهَاجِرُوا منهم : قَيْس بن الفاكه بن المُغيرَة، وقَيْس بن الوَليد وأشْبَاهُهُمَا، فلما خَرَج المُشْرِكُون إلى بَدْر، خرجوا مَعَهُم، فقاتَلُوا مع الكُفَّار وعلى هذا أراد بِظُلْمِهِم أنْفُسَهُم : إقامَتَهُم في دَارِ الكُفْرِ، وقوله - تعالى- :﴿ إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملاائكة ﴾ أي : ملك المَوْتِ وأعْوَانِهِ، أو أراد مَلَك المَوْتِ وَحْدَه؛ لقوله- تعالى- :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ] والعَرَبُ قد تُخَاطِب الوَاحِد بلَفْظ الجَمْع.
الثاني : أنها نَزَلَت في قَوْم من المُنَافِقِين، كانوا يُظْهِرُون الإيمان للمُؤمِنِين خوفاً، فإذا رَجَعُوا إلى قَوْمِهِم، أظْهَرُوا لهم الكُفْر، ولا يُهَاجِرُون إلى المَدِينَةِ.
وقوله :« قالوا فيم كنتم » من أمْرِ دينكُم، وقيل : فيم كُنْتُم من حَرْب أعْدَائه، وقيل : لما تركتم الجِهَادَ ورَضِيتُم بالسُّكُون دَارِ الكُفَّار؛ لأن الله - تعالى- لم يَكُن يَقْبَل الإسلام بعد هِجْرَةَ النَّبي ﷺ إلا بالهِجْرَة، ثم نَسَخَ ذلك بَعْدَ فَتْحِ مكَّة بقوله « لا هِجْرَة بَعْدَ الفَتْح » وهؤلاء قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وضربَتَ الملائكةُ وجوهَهم وأدْبَارَهُم، وقَالُوا لهم : فيم كُنْتُم؟ [ « قالوا كُنَّا » ] أي : في ماذا كُنْتُم أو في أيِّ الفَرِيقَيِن كنتم؟ أفي المُسْلِمين أو في المُشْرِكِين؟ سُؤال توبيخ وتَقْرِيع، فاعتذروا بالضَّعْف عن مُقَاوَمَة المُشْرِكِين، « وقالوا كنا مستضعفين » عَاجِزين، « في الأرْضِ » يعني « أرْض مَكَّة.
فإن قيل : كان حَقُّ الجَوَاب أن يَقُولوا : كنا في كَذَا وكذا، ولم نكُنْ في شَيْء.
فالجَوَاب : أن مَعْنَى »
فِيمَ كُنْتُم « : التَّوْبِيخ، بأنهم لم يَكُونُوا في شَيْءٍ من الدِّين، حَيْثُ قَدَرُوا على المُهَاجَرَة ولم يُهَاجِرُوا فقالوا : كُنَّا مستَضْعَفِين اعْتِذاراً عمَّا وبَّخُوا بِه، واعتِلالاً بأنَّهم ما كَانُوا قادِرِينِ على المُهَاجَرة، ثم إنّ المَلاَئِكَة لم يَقْبَلُوا منهم هذا العُذْر؛ بل ردُّوه عَلَيْهِم، فقالوا :﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ﴾ يعني أنكم كنتم قادرين على الخُرُوجِ من مَكَّة إلى بَعْضِ البِلاَدِ التي لا تُمْنَعُون فيها من إظْهَار دِينكُم، فبقيتم بين الكُفَّار لا للعجز عن مُفَارَقَتِهِم، بل مع القُدْرَة على المُفَارَقَة.

فصل


وقد ورد لَفْظُ الأرْض على ثَمَانِية أوْجُه :
الأول : الأرض المَعْرُوفة.
الثاني : أرْضُ المَدِينة، قال الله - تعالى- :﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ﴾.
الثالث : أرض مَكَّة؛ قال - تعالى- [ ﴿ قَالُواْ ] كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض ﴾ أي : بمكة.


الصفحة التالية
Icon