كما بيَّن قَصْر الصَّلاة بحَسبِ الكَمِيَّة في العَدَِ، بين في هذه الآيَة كِيْفِيَّتَها، والضَّمِير في « فِيهِم » يعُود كما بيَّن قَصْر الصَّلاة يَحسبِ الكَمِيَّة في العَدَِ، بين في هذه الآيَة كَيْفِيَّتَها، والضَّمِير في « فِيهِم » يعُود على الضَّاربين في الأرضِ، وقيل على الخَائِفَين.
روى الكَلْبِيُّ، عن أبِي صَالح؛ عن ابن عبَّاس، وجابر - رضي الله عنهم- : أن المُشْرِكِين لَمَّا رأوْا رسُول الله ﷺ وأصْحَابَهُ قاموا في الظُّهْر يُصَلُّون جميعاً، نَدِمُوا ألاّ كَانُوا أكبُّوا عليهم، فقال بَعْضُهم لبعضٍ : دَعْهم فإنَّ لهم بَعْدَها صَلاةَ هي أحَبُّ إليهم من آبائِهِم وأبْنَائِهِم، يعني : صَلاَة العَصْر، فإذا قَامُوا فيها فَشَدُّوا عليهم، فاقْتُلُوهم؛ فنزل جِبْرِيل فقال : يا محمَّد إنَّها صلاة الخَوْفِ، وإن الله - تعالى- يقُول :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة ﴾ فعلَّمه صَلاَةَ الخَوْفِ.
فصل : هل صلاة الخوف خاصة بالرسول ﷺ
قال أبُو يُوسف، والحَسَن بن زِيَاد : صلاة الخَوْف كانت خَاصَّة للرسول - ﷺ -، ولا تجُوز لغيره؛ لقوله- تعالى- :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ ﴾.
وقال المُزَني : كانت ثَابِتَةً ثم نُسِخَتْ، ومذهب الجُمْهُور : ثُبُوتُها في حقِّ كل الأمَّة؛ لقوله - تعالى- :﴿ واتبعوه ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] وأن حكمها باقٍن وقد ورد كيفيَّة صَلاَة الخَوْفِ على سِتَّة أوْجُه مذكُورة في كُتُبِ الفِقْهِ.
قال أحْمد بن حَنْبَل : كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ في أبًواب صَلاةِ الخَوْفِ، فالعَمَل به جَائِزٌ، روي فيه سِتَّةُ أوْجُه مذكورة في كُتُبِ الفِقْهِ.
قوله :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ ﴾ أي : شَهِيداً مَعَهُم في غَزَواتهم، ﴿ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ ﴾ أي : فَلْتَقِف؛ كقوله- تعالى- :﴿ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ] أي : وَقَفُوا، والمعنى : فاجْعَلْهم طَائِفَتَيْن، فَلْتَقُم طَائِفة منهم مَعَك، فَصَلٍّ بهم.
وقرأ الحسن « فَلِتَقُمْ » بِكَسْر لاَمِ الأمْر وهو الأصْل، « وليأخذوا أسلحتهم » والضَّمير : إمَّا للمُصَلِّين، أو لغيرهم، فإنَ كان للمُصَلِّين، [ فقالوا ] : يأخُذُون من السِّلاح ما لا يَشَعلُهُم عن الصَّلاة؛ كالسَّيْف والخنجَر؛ لأن ذلك أقْرَب إلى الإحْتِيَاط، وأمْنَع للعدُوِّ من الإقْدَام عَلَيْهِم، وإن كان لِغَيْر المُصَلِّين، فلا كَلاَمَ.
واحتار الزَّجَّاج عَوْدَه على الجَميع، قال :« لأنه أهيْيَب للعَدُوَِّ ». والسِّلاح : ما يُقَاتَل به، وجمعه أسْلِحَة وهو مُذكَّر، وقد يُؤنَّث باعْتِبَار الشَّوْكَة، قال الطِّرمَّاحُ :[ الطويل ]
١٨٧٦- يَهُزُّ سِلاحاً لَمْ يَرِثْهَا كَلاَلَةً | يشُكُّ بِهَا مِنْهَا غُمُوضَ المَغَابِنِ |
ثم قال - تعالى- :﴿ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ ﴾ يعني : غير المُصَلِّين من وَرَائِكُم يَحْرُسُونكم يريد : مكان الَّذِين هم تجاه العَدُو، ثم قال- [ تعالى ] - :﴿ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ ﴾ وهم الَّّذِين كانُوا في تجاه العَدُوِّ، وقرأ أبو حَيْوة :« وليأتِ » بناء على تذكيرِ الطَّائِفَةِ، ورُوِيَ عن أبِي عَمْرو : الإظْهَارُ والإدْغَامُ في « ولتأتِ طَائَفَةٌ ».