قوله :« لم يصلوا » الجُمْلة في محلِّ رَفْع؛ لأنها [ صفة ل « طَائِفة » بعد صِفَةٍ، ويجُوز أن يكُون في مَحَل نَصْب على الحَال؛ لأن النَّكِرَة ] قَبْلَهَا تخصَّصت بالوَصْفِ بِأخْرى. ثم قال ﴿ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾ والمعْنَى : أنه - تعالى- جعل الحَذَر : الَّذِي هو التحذُّر والتَّيَقُّظ آلة يِسْتَعْمِلُهَا الغازي؛ فَلِذَلِكَ جمع بينَه وبين الإسْلِحَةِ في الأخْذِ؛ وجُعِلاَ مأخُوذَيْن، وهذا مَجَازٌ؛ كقوله :﴿ تَبَوَّءُوا الدار والإيمان ﴾ [ الحشر : ٩ ] في أحَد الأوْجُه.
قال الوَاحِدِيِ : رحمه الله تعالى : وفيه رُخْصَة للخَائِفِ في الصَّلاة، بأن يَجْعَل بَعْضَ فكْره في غَيْرِ الصَّلاةِ.
فإن قيل : لِمَ ذَكَرَ في الآيَةِ الأولى :« أسْلِحَتُهم » فقط، وفي هذه الآيَة ذكر « حِذْرَهُم وأسلحتهم » ؟ فالجوابُ : أن في أوَّل الصلاة قلَّما يَتَنَبِهُ العَدُوُّ : لكون المُسْلِمِين في الصَّلاة، بل يظُنُّون كونهمُ قَائِمين لأجْل المُحَارَبة، وأما في الرُّكْعَة الثَّانِيَة، فقد يَظْهَرُ للعَدُوِّ كونهم في الصَّلاة، فَهُهُنا يتنهزُون الفُرصة في الهُجُوم عليهم، فلذلك خَصَّ الله [ -تعالى- ] هذا المَوْضِع بزِيَادَة تَحْذِير.
ثم قال :« ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم » قد تقدم الكلام في [ « لو » ] الواقعة بعد « وَدَّ » في البَقَرَة [ آية : ١٠٩ ].
وقرئ :« وأمتعاتكم » وهو في الشُّذُوذِ من حَيْث إنَّه جَمْع الجَمْعِ، كقولهم : أسْقِيَات وأعْطِيَات. ﴿ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ أي : يتمنَّون لو وَجدُوكُم عَافِلِين عن أسْلِحَتِكُم، فيقْصِدُونكم ويَحْمِلُون عَلَيْكُم حملة وَاحِدَة.
رُوِيَ عن ابْن عَبَّاس : وجابر : أن النَّبي ﷺ صلَّى بأصْحَابِه الظُّهْر، ورأى المُشْرِكُون ذَلِكَ، فَقَالُوا بعد ذلك : بِئْسَ ما صَنَعْنا، حيث ما أقْدَمْنا عليهم، وعَزَمُوا على ذَلِكَ عند الصَّلاة الأخْرَى، فأطْلَعَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ على أسْرَارِهِم بِهَذِهِ الآيَةِ.
فصل
قال الإمامُ أحمد - رحمه الله تعالى- « صحَّ عن النَّبِيَّ ﷺ صلاة الخَوْفِ من خمْسة أوْجُه أوْ سِتَّة [ أوْجُه ]، كل ذلك جَائِزٌ.
الأول : إذا كان العَدُوُّ من جهة القِبْلَة، صف الإمَامُ المُسْلِمِين خَلْفَه صَفَّيْن، فصلّى بهم جميعاً إلى أن يَسْجُد؛ فَيَسْجُد معه الصَّف الذي يَلِيهِ، ويَحْرُس الآخَر، فإذا قَامَ الإمَامُ إلى الثَّانِيَةِ سجد الآخَرَ ولَحِقَهُ، فإذا سَجَدَ لثَّانِيةِ، سجد معه الصَّفُّ الذي حَرَس، وحَرَس الأوَّل، فإذا جَلَس للتَّشَهُّد، سجد الأوَّل، ولحقه في التَّشَهُّد ويسلم بهم.
الثاني : إذا كان العَدُوُّ في غَيْرِ جهة طَائِفَة [ تجاه، العَدُوِّ، وطائفةً ] تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَة، فإذا قَامَ إلى الثَّانِيةِ ثَبَت قَائِماً وأتمَّت لأنفُسِها أخْرى، [ وسلمت ومضت إلى العَدُوِّ، وجاءت الأخْرَى، فَصَلَّت معه الثَّانِية، فإذا جَلَس، أنهت لأنفُسِهَا أخْرَى ].