وتشهدت ثم سَلَّم بهم، وإن كانَت الصَّلاةُ مَغْرباً، صلّى بالأولى رَكعتين وبالثَّانية ركعة، وإنْ كانت رُباعيَّة، صَلَّى بكل طائِفَةً ركْعَتَيْن وأتمَّت الأولَى، بالحَمْد لله في كل رَكْعَة، والأخرى تتم بالحَمْد لله وسُورة، وهل تُفَارِقُه الأولَى في التِّشَهُّدِ، أوْ في الثَّانِيَة على وَجْهَيْن، وإن فَرَّقَهُم أرْبَعاً، فصلى بكلِّ طَائَفَةٍ ركْعَة، صحَّت صلاة الأولَى وبَطَلَت صَلاَةُ الأمَامِ والآخرين وإن عَلموا بطلان صَلاَة الآخرين؛ فلأنهم ائتمُّوا بمن صلاته بَاطِلَة، فأمَّا إذَا لم يعلموا، فهم مَعْذُورُونَ.
الثالث : أن يُصَلِّي بطائِفَةٍ رَكْعَة، ثم تمْضِي إلى العَدُوِّ، وتأتي الأخْرَى، فيُصلي بها رَكْعَةً ويسلم وَحْدَه وتمضي، ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها وتمْضِي هي : ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها.
الرابع : أن يُصَلَّي بِكُلِّ طائفة صَلاَةً، ويُسَلِّم بِهَا.
الخامس : أن يُصَلِّي [ بكلِّ ] الرُّباعيَّة تامَّة، وتصلي مَعَهُ كل طَائِفةِ رَكْعَتَيْن ولا يَقْضِي شَيْشاً، فتكون له تامَّة ولَهُم مَقْصُورَة.

فصل


إذا اشْتَدَّ الخَوْف عند التحام الحَرْب، يصلي كَيْفَما أمْكَن رِجَالاً ورُكْبَاناً إلى القِبْلَة وإلى غيرها يؤمِنُون إيماءً بالرُّكوع والسُّجود، وكَذَلِك كلّ خَائِفٍ على نَفْسِه فإن لم يَقْدِ على الإيمَاءِ أخَّروا الصَّلاة إلى انْكِشَاف الحَالَةِ.
قال مَالِكٌ وجماعة : يصلي الطَّالِب والمَطْلُوب كُلُّ واحد منهما على دَابَّتِهِ؛ كالخائف سَوَاء.
وقال الأوْزَاعِيّ، والشَّافِعي، وفُقَهَاء المُحَدّثين، وابن عَبْد الحكم : ولا يصَلِّي الطَّالِب إلاَّ بالأرْضِ.
قال القُرْطُبِي : وهو الصَّحيحُ؛ لأنَّ الطَّلب تَطَوُّعٌ، والمكْتُوبَة فَرْضٌ، والفرض إنَّما يُصَلَّى بالأرْض حَيْثُ ما أمْكَن.
[ ثم ] قال - تعالى- :﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مرضى أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ ﴾ فقوله :« أنْ تَضَعُوا » ؛ كقوله « أنْ تَقْصُرُوا » وقد تقدم، « وخُذوا حِذْرَكُم » رَخَّصَ في وَضْع السِّلاح في حَالِ المَطَر والمَرَضِ؛ لأن السِّلاح [ يثْقُل حَمْلُه في هَاتين الحَالَتَيْن، أو لأن حدته تَفْسُد بالبَلَلِ، ولمّا رَخَّص في وَضْعَ السِّلاح ] حالَ المَطَرِ والمَرَضِ، أمر بالتَّيَقُّظ والحَذِر؛ لِئَلاَّ يَهْجُم العَدُو عليهم.
روى الكَلْبِيُّ : عن أبي صَالِح، عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- نزلت في رسُول الله ﷺ، « وذَلِكَ أنَّه غَزا مُحَارِباً وبني أنمارٍ، فنزلوا ولا يَرون من العَدُوِّ أحداً، فوضع النَّاس أسْلِحَتَهُم، وخرج رسُول الله ﷺ لِحَاجَة له قد وضع سِلاحه، حتى قطع الوَادِي والسَّماء تَرُشُّ، فَحَالَ الوادي بَيْنَ رسُول الله ﷺ وبين أصْحَابَه؛ فجلس رسُول الله ﷺ في ظلِّ شجرة، فَبَصُر بِهِ غوْرَث بن الحَارِث بما شئت، ثم أهْوَى بالسَّيف إلى رسُول الله ﷺ ليضْرِبَه، فانكب لوجِهِهِ من زَلْخَةٍ زُلخَها بَيْنَ كَتِفَيْه، وندر سَيْفَه، فقام رَسُول الله ﷺ فأخذه، ثم قال : يا غَوْرَث، من يَمْنَعُك مِنِّي الآن؟ قال : لا ولكن أشهد ألا أقاتِلك أبَداً ولا أعينُ عليك عدوّاً، فأعطاه رسُول الله ﷺ سَيْفَه، فقال غَوْرَث : والله أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فقال النَّبِيُّ ﷺ : أجلْ أنا أحَقُّ بذلك مِنْك، فرجَعَ غَوْرَث إلى أصْحَابِه، فقالوا : ويْلَكَ ما مَنَعَك مِنْهُ، قال : لقد أهْوَيتُ إليه بالسَّيْف لأضربه فوالله ما أدْرِي من زَلَخَنِي بين كَتفي فخررت لوجِْهي، وذكر حَالَه قال : وسكن الوادي، فقطع رسول الله ﷺ الوادي وأصْحَابه فأخبرهم الخبر »


الصفحة التالية
Icon