فصل


وسُمِّيَتْ أصْنَامهم إناثاً؛ لأنهم كانوا يُلْبسُونها أنواع الحُلِيِّ، ويسمونها بأسْمَاءِ المُؤنثات، نحو : اللاَّت، والعُزَّى، ومناةَ، وقد ردَّ هذا بَعْضُهم بأنَّهم كانوا يُسَمُّون بأسْمَاء الذُّكُور، نحو : هُبَل، وذِي الخَلَصَة، وفيه نظر؛ لأن الغَالِب تَسميتُهُم بأسماء الإناثِ، و « مُرِيداً » : فَعِيل من « مَرَدَ » أي : تَجرَّد للشَّرِّ، ومنه « شَجَرَة مَرْداء » أي : تناثر وَرَقُها، ومنه : الأمْرَدُ؛ لتجرُّدِ وَجْهِه من الشَّعْر، والصَّرْحُ الممرَّد : الذي لا يَعْلُوه غُبَارٌ من ذَلِك فاللاَّت : تَأنيث اللَّه والعُزَّى : تأنيث العَزِيز.
قال الحَسَن : لَمْ يكن حَيٌّ من أحْيَاء العَرَب إلا وَلَهُم صَنَمٌ يعبُدُونه، ويسمى أنْثَى بَنِي فُلان، ويدُلُّ عليه قِرَاءة عَائِشَة.
وقال الضَّحَّاك : كان بعضهم يَعْبُد الملائِكَة، وكانوا يقُولُون : المَلاَئكة بَنَاتُ اللَّه، قال - تعالى - :﴿ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى ﴾ [ النجم : ٢٧ ].
وقال الحسن : قوله « إلاَّ إناثاً » أي : إلا مَوْتاً، وفي تسمية الأمْوَات إنَاثاً وجهان :
الأوَّل : إن الإخْبَار عن الموات يكُون على صِيغَة الإخْبَارِ عن الأنْثَى، تقُول : هذه الأحْجَار تُعْجِبُنِي، كما تقُول : هذه المَرْأة تُعْجِبُني.
الثَّاني : الأنْثَى أخسّ من الذَّكر، والمَيِّت أخسُّ من الحَيِّ، فلهذهِ المُنَاسَبة أطْلَقُوا اسمْ الأنْثَى على الجَمَادَات المَوَاتِ، والمَقْصُود هل إنسان أجهل ممن أشرك.
قوله :﴿ وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً ﴾ فعيلٌ من مَرَدَ إذا عَتَا، ومنه : شَجَرةٌ مَرْدَاء، أي : تَنَاثَر وَرَقُها، ومنه : الأمْرَد؛ لتجرّد وجهه من الشَّعْر، والصَّرْح الممرَّدُ : الذي لا يَعْلُوه غُبَار، وقرأ أبو رَجَاء ويُرْوى عن عاصِمٍ « تَدْعُونَ » بالخِطَاب.

فصل


قال المفُسِّرون : كان [ في ] كُلُّ واحدٍ من تِلْك الأوثَان شَيْطَان يَتراءى للسَّدَنَة والكَهَنَة يُكَلِّمْهُم.
وقل الزَّجَّاج : المُرادُ بالشَّيْطَان هَاهُنَا : إبْلِيس؛ لقوله - تعالى - : بعد ذلك :﴿ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾.
وهذا قول إبْلِيس، ولا يَبْعُد أنّ الذي يتراءى للسَّدنة، هو إبْلِيس.
قوله :« لَعَنَهُ الله » فيه وجهان :
أظهرهما : أنَّ الجُمْلَة صِفَةٌ ل « شيطاناً »، فهي في مَحَلِّ نَصْب.
والثاني : أنها مُسْتأنفةٌ : إمَّا إخْبَار بذلك، وإمَّا دُعَاء عليه، وقوله :« وقال » فيه ثلاثة أوجه :
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : قوله لَعَنَهُ « وقال لأتَّخِذَنَّ » صِفَتَان، يعني : شيطاناً مَرِيداً جَامِعاً بين لَعْنَة اللَّه، وهذا القَوْل الشَّنِيع.
الثاني : الحالُ على إضْمَار « قد » أيْ : وقد قَالَ.
الثالث : الاستئناف. و « لأتخِذَنَّ » جوابُ قسم مَحْذُوف، و « مِنْ عبادك » يجوزُ أن يتعلَّق بالفعل قبله، أو بمحذوفٍ على أنَّه حَالٌ من « نَصِيباً » ؛ لأنه في الأصْلِ صِفَةُ نكرةٍ قُدِّم عليها.

فصل


النَّصِيب المَفْرُوض : أي : حظاً مَعْلُوماً، وهم الذين يَتَّبِعُون خُطُواته، والفَرْضُ في اللغة، التَّأثِير، ومنه : فرض القَوْس للجُزْء الذي يُشَدُّ فيه الوَتَر، والفريضة : ما فَرَضَهُ اللَّه على عِبَادِهِ حَتْماً عليهم.


الصفحة التالية
Icon