١٨٧٨- حَتَّى إذَا مَا هَوَتْ كَفُّ الغُلاَمِ لَهَا طَارَتْ وَفِي كَفِّهِ مِنْ رِيشِهَا بِتَكُ
ومعنى ذلك : أنَّ الجاهليَّة كانوا يَشُقُّون أذُن النَّاقَة إذا ولدت خَمْسَة أبْطُن، آخرُها ذَكَر، وحرَّمُوا على أنْفُسِهِم الانتفاع بها، وقال آخرون : كانوا يَقْطَعُون آذَان الأنْعَام نُسُكاً في عِبَادَة الأوْثَان، ويَظُنُّون أنَّ ذلك عِبَادة، مع أنَّه في نفسه كُفْرٌ وفِسْقٌ.
قوله :﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ﴾ هذه اللاَّمات كلها للقَسَم.
قال ابن عبَّاسٍ : والحَسَن [ ومُجَاهِدٌ ] وسعيد بن جُبَيْر، وسَعِيد بن المسيَّب والسُّدِّي، والضَّحاك، والنَّخْعِيُ : دِينُ الله، كقوله ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ﴾ [ الروم : ٣٠ ] أي : لدين اللَّه، وفي تَفْسير هذا القَوْل وَجْهَان :
الأول : أن اللَّه - تعالى - فطر الخَلْقَ على الإسْلام يَوْم أخْرَجَهُم من ظَهْر آدَم كالذَّرِّ، وأشْهَدَهُم على أنْفُسِهم، ألَسْتُ بِربِّكم؛ قالوا بَلَى، فمن كَفَر به، فقد غيَّر فِطْرَة اللَّه تعالى؛ يؤيده قوله - ﷺ - « كل مَوْلُود يُولَدُ على الفِطْرَة، فأبواه يُهوِّدَانه، ويُنَصِّرانه، ويُمَجِّسانه ».
والثاني : أن التَّغْيير : تَبْدِيل الحَلالِ حَراماً، والحرام حَلاَلاً.
وقال الحسن، وعكرمة، وجماعة من المُفسِّرين : التَّغْيِير : ما روى عبد اللَّه [ بن مَسْعُود ] عن النَّبِي ﷺ [ أنَّه ] قال :« لَعَن اللَّه الوَاشِمَاتِ والمُسْتَوشِمَات ».
قالوا : لأنَّ المرأة تَتَوصَّل بهذه الأفعال إلى الزِّنا، ولَعَن رسُول اللَّه ﷺ « النامِصَة والمُتَنَمِّصَة، والوَاصِلَة والمُتَوَصِّلة، والوَاشِمة والمُتَوَشِّمَة
»
. قال القرطبي، قال مَالِك، وجماعة : إن الوَصْل بكل شَيء، من الصُّوفِ والخِرق وغَيْر ذَلِك في مَعْنَى وصله بالشَّعْر، وأجازه اللَّيْث بن سَعْد، وأباح بَعْضُهم وَضْع الشَّعْر على الرَّأس من غير وَصْل، قالوا : لأن النهي إنما جَاءَ في الوَصْل، والمُتَنمِّصَةُ : هي التي تَقْطَع الشَّعْر من وَجْهِهَا بالنِّمَاص، وهو الذي يقلع الشَّعْر.
قال ابن العرَبيِّ : وأهلْ مِصر يَنْتفُون شَعْر العانَة، وهو منه، فإن السُّنَّة حَلْق العَانَة، ونَتْفُ الإبط، فأما نَتْفُ الفَرْج فإنه يُرخيه ويؤذِيه ويُبْطل كَثِيراً من المَنْفَعَةِ فيه.
وأمَّا الوَاشِمَة والمُسْتَوْشِمَة، فهي الَّتِي تغرز ظَهْر كَفَّها ومِعْصَمَها، ووجْههَا بإبْرَةٍ، ثُمَّ يحشى ذلك المكانُ بالكُحْل أو بالنؤر، فيخْضَرّ، وفي بعض الروايات « الواشية، والمُسْتَوْشِيَة » باليَاء مكان المِيم، والوَشْي : التَّزَيُّن، مأخوذ من نَسْج الثَّوْب على لونين، وثورٌ مُوشَّى : في وَجْهِه وقوائِمِه سوادٌ، وأما الوشْمٌ فجائز في كل الأعْضَاء غير الوَجْه؛ لأن النبي - ﷺ - « نهى عن الضَّرْب في الوَجْه وعن الوَشْم في الوجْهِ »، ورُوي عن أنس، وشهر بن حَوْشَب، وعِكْرِمَة، وأبِي صالح : التَّغْيير هَهُنَا هو الإخْصَاء، وقطع الآذان، وفَقْأ العُيُون؛ لأن فيه تَعْذِيب للحَيَوان، وتَحْريم وتَحْلِيل بغير دليلٍ، والآذَان في الأنْعَام جمالٌ ومَنْفَعة، وكذلِك غيرها من الأعْضَاء، فَحَرّم عليهم الشَّيْطَان ما أحلَّه اللَّه لهم، وأمرَهُم أن يشركوا باللَّه ما لم يُنَزِّل به سُلْطَاناً، ولما كان هذا من فِعْل الشَّيْطَان، أمرنا رسُول الله ﷺ أن نستشرف العَيْن والأذُن، ولا نُضَحِّي بَعْورَاءَ، ولا مُقَابَلة، ولا مُدَابرة؛ ولهذا كان أنَس يكره إخْصَاء الغَنَم، وحرمه بَعْضُهم.


الصفحة التالية
Icon