فالجواب عنه من وَجْهَيْن :
الأول : أن العَامَّ بعد التَّخْصِيص حُجَّة.
والثاني : أن صاحب الصَّغِيرة قد حَبَط من ثَوَابِ طَاعته بِمقْدَار عِقَاب تلك المَعْصِيَة، فههنا قد وَصَل خبر تلك المَعْصِيَة إليه.
وأجابوا بأنه لِمَ لا يجُوز أن يَكُون المُرَادُ من هَذَا الجَزَاء ما يَصل إلى الإنْسَان [ في الدُّنْيَا ] من الهُمُوم والآلاَم والأسْقَام؛ ويَدُلَّ على ذلك قوله :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] سمَّى القطع جَزَاءً.
ورُوِي :« أنَّه لما نَزَلت هذه الآيَة قال أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - كيف الصَّلاح بعد هَذِه الآيَة؟، فقال - [ ﷺ ] - غفر اللَّه لكَ يا أبَا بَكْرٍ، ألست تَمْرَض؟ ألَيْس تُصِيبُكَ الآلام؟ فهو ما تُجْزَوْن به ».
وعن عَائِشَة - رضي الله عنها - « [ أن ] رجلاً لما قَرَأ هذه الآيَة. فقال :[ إن كان ] الجَزَاء بكلِّ ما نَعْمَل، لقد هَلَكْنا، فبلغ النبيَّ ﷺ كَلاَمُهُ؛ فقال : يُجْزَى المُؤمِنُ في الدنيا بِمُصِيبَةٍ في جَسَدِه وما يُؤذِيه ».
وعن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - :« لمَّا نَزَلَت هذه الآية بَكَيْنَا، وحِزِنا، وقلنا : يا رسول الله، ما أبْقَت هذه [ الآية ] لنا شَيْئاً، فقال - ﷺ - :» أبشروا فإنَّه لا يُصِيبُ أحداً منكم مُصِيبَةٌ في الدُّنْيَا، إلا جَعَلَهَا الله له كَفَّارة؛ حتَّى الشَّوْكَة التي تَقَع في قَدَمِه «.
وأيضاً : هَبْ أن ذَلِك الجَزَاء إنَّما يصل إلَيْهم يوم القِيَامة، لكن لم لا يَجُوز أن يَصِل الجَزَاء بتنقِيص ثَوَابِ إيمانِه، وسائر طَاعَاتِه؛ كقوله - تعالى - :﴿ إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ﴾ [ هود : ١١٤ ].
ولما رَوَى الكلبي، عن أبِي صَالح، عن ابن عبَّاسٍ، أنَّه قال :» لمّا نَزَلت هَذِه الآيَة شقت على المُؤمِنِين مَشَقَّة شَدِيدة، قالوا : يا رسُول الله، وأيُّنَا لم يعمل سُوءاً، فكيف الجَزَاءُ؟ فقال - ﷺ - : إنَّه - تعالى - وعد على الطَّاعَةِ عَشْر حَسَناتٍ، وعلى المَعْصِيَة الوَاحِدة عُقُوبَة واحدة، فمن جُوزي بالسَّيِّئة، نَقَصَت وَاحِدة من عَشْرَة، وبقيت له تِسْع حَسَناتٍ، فويل لمن غلب آحَادُه أعْشَارَهُ «.
وأيضاً : فَهَذِه الآيَةُ إنَّما نزلت في الكُفَّار؛ لقوله [ - تعالى - ] بعدها :﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة ﴾.
فالمؤمن الذي أطَاعَ اللًّه سَبْعِين سَنَةً، ثم شَرِب قَطْرةً من الخَمْر، فهو مؤمِنٌ قد عَمِل الصَّالِحَات؛ فوجب القَطْع بأنَّه يدخل الجَنَّةَ.
وقولهم : خرج عن كوْنه مُؤمِناً، فهو باطل؛ للدلالة الدَّالَّة على أنَّ صَاحِب الكَبِيرة مُؤمِن؛ لقوله - تعالى - :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ [ الحجرات : ٩ ] إلى قوله :﴿ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى ﴾ [ الحجرات : ٩ ] سَمَّى البَاغِي حَالَ كَوْنه باغياً : مُؤمِناً، وقوله ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] سَمَّى [ قَاتِل العمد العُدْوَان مُؤمِناً ]، وقوله ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾