والخليلُ : مشتق من الخَلَّة بالفَتْح، وهي الحَاجَة، أو من الخُلَّة بالضَّمِّ، وهي المودة الخالصة. وسُمِّي إبْرَاهيم ﷺ خليلاً أي : فَقِيراً إلى اللَّه؛ لأنَّه لم يَجْعَل فَقْره وفَاقَتَه إلاَّ إلى اللَّه.
قال القُرْطُبيُّ : الخَلِيلُ فعيل، بِمَعنى : فَاعِل؛ كالعَلِيم، بمعنى : عالم، وقيل : هو بِمَعْنَى المَفْعُول؛ كالحَبِيب بِمَعْنَى : المَحْبُوب، وإبراهيم - ﷺ - كان مُحبًّا للَّه، وكان مَحْبُوباً للَّه. أو من الخلل. قال ثَعْلَب :« سُمِّي خليلاً؛ لأن مَوَدَّته تَتَخَلَّلُ القَلْبَ » وأنشد :[ الخفيف ]

١٨٨٤- قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي وَبِهِ سُمِّي الْخَلِيلُ خَلِيلا
وقال الرَّاغِب :« الخَلَّة - أي بالفتح - الاختلالُ العَارِضُ للنَّفْس : إمَّا لشَهْوَتِها لِشَيْء، أو لحاجتهَا إليه، ولهذا فَسَّر الخَلَّة بالحاَجَة، والخُلَّة - أي بالضم - : المودة : إما لأنَّها تتَخَلَّل النَّفْس، أي : تتوسَّطُها، وإما لأنَّها تُخِلُّ النَّفْسَ؛ فتؤثِّر فيها تأثيرَ السَّهْم في الرَّمِيَّة، وإمَّا لفَرْطِ الحَاجَة إليْها ».
وقال الزَّجَّاج : معنى الخليل : الذي لَيْس في مَحبَّتِه خَلَل، وقيل : الخلِيلُ هو الذي يُوافِقُك في خلالِك. قال - ﷺ - :« تَخَلقوا بأخلاق اللَّه » فلما بلغ إبْرَاهيم - ﷺ - في هذا البَابِ مبلَغاً لم يَبْلُغْه أحَدٌ ممَّن تقدَّمَه، لا جَرَم خصَّه اللَّه بهذا الاسْمِ.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : الخَلِيلُ :[ هو ] الذي يُسَايِرُك في طَرِيقك، من الخَلِّ : وهو الطَّريق في الرَّمْل، وهذا قَرِيبٌ من الذي قَبْلَه، وقيل : الخَلِيْلُ : هو الذي يسد خللك كما تسُدُّ خَلَله، وهذا ضَعِيف؛ لأن إبراهيم - ﷺ - لا يقال : إنه يَسُدُّ الخَلَلَ.
وأما المُفَسِّرُون : فقال الكلبيُّ : عن أبي صَالحٍ، عن ابن عبَّاس : كان إبْرَاهيم - ﷺ - أبا الضِّيفان، وكان مَنْزِلُه على ظَهْر الطِّرِيق يُضِيفُ من مَرَّ بِه، فأصاب الناس سنَةٌ فَحشِرُوا إلى بَابِ إبْراهيم يَطْلُبون الطَّعَام، وكانت الميرة له كل سَنَةٍ من صديقٍ له ب « مصر »، فبعث غِلْمَانه بالإبل إلى خَلِيلِه ب « مصر »، فقال خلِيلُه لِغلمانه : لو كان إبراهيم إنَّما يريده لنفْسِه، لاحْتَمَلْنَا ذلك لهُ؛ فقد دَخَلَ عَلَيْنَا ما دَخَلَ على النَّاس من الشِّدَّة، فرجع رُسُل إبْراهيم - عليه السلام - فمرُّوا بِبَطْحاء [ سهلة ] فقالوا : لو أنَّا حملنا من هذه البَطْحَاء؛ ليرى النَّاسُ أنا قد جِئْنَا بميرة، فإنَّا نَسْتَحِي أن نمرّ بِهِم، وإبلنا فَارِغَةٌ، فملأوا لتك الغرائر سهلة ثم أتَوْا إبْرَاهِيمَ - ﷺ - فأعْلَمُوهُ [ بذلك ] و [ سارةُ نَائِمَةٌ ]، فاهْتَمَّ إبْرَاهيم - ﷺ - لمكان النَّاسِ بِبَابِه، فَغَلَبته عَيْنَاه فَنَام، واستيقظت سَارة و [ قد ] ارتفع النَّهَار، فقَالَت : سُبْحَان الله! ما جَاءَ الغِلْمَان؟ قالوا : بَلَى، [ قالت : فما جَاؤُوا بِشَيْءٍ؟ قالوا : بَلَى، ] فَقَامَت إلى الغَرَائِر. فَفَتَحَتْهَا، [ فإذا ] هِي مَلأى بأجْودِ دَقِيق حوارٍ يكون، فأمرت الخَبَّازِين، فَخَبَزُوا وأطْعَمُوا النَّاسَ، فاسْتَيْقَظ إبْرَاهِيمُ، فوجد ريحَ الطَّعَامِ، فقال : يا سَارة مِنْ أيْن هذا؟ فقالت : من عند خَلِيلِك المصْرِيِّ، فقال : هذا من عِنْد خَلِيلِيَ اللَّه، قال : فيومَئِذٍ اتَّخَذَهُ [ الله ] خَلِيلاً.


الصفحة التالية
Icon