﴿ تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام ﴾ [ النساء : ١ ] يعني : من غير إعادةِ الجَارِّ.
وقد أجَابَ أبو حيَّان عما ردَّ به الزَّمَخَشريُّ والزجاج؛ بأن التَّقْدِيرَ : يُفْتيكم في مَتْلُوِّهِنَّ، وفيما يُتْلَى عليكم في الكِتَاب في يتامى النِّسَاء، وحُذِف لدلالة قوله :﴿ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾، وإضافةُ « مَتْلُو » إلى ضمير « هُنَّ » سائغةٌ، إذ الإضافة إليهنَّ، كقوله :﴿ مَكْرُ الليل والنهار ﴾ [ سبأ : ٣٣ ] لمَّا كان المَكْرُ يقع فيهما، صَحَّتْ إضافتُه إليْهِمَا، ومثله قول الآخر :[ الطويل ]
١٨٨٥- إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لاَحَ بِسُحْرَةٍ | سُهَيْلٌ أذَاعَتْ غَزْلَهَا في الغَرَائِبِ |
والنَّصْبُ بإضمار فِعْل، أي : ويبيِّن لَكُم ما يُتْلى [ عليكم ] ؛ لأنَّ « يُفْتيكُم » بمعنى يبيِّن لكم، واختار أبو حيَّان وجْهَ الجرِّ على العَطْفِ على الضَّمير، مختاراً لمَذْهَبِ الكوفيِّين قال : لأنّ الأوْجُه كلَّها تؤدِّي إلى التَّأكيد، وأمَّا وَجْهُ العَطْفِ على الضمير [ المَجْرُور ]، فيجعلُه تأسِيساً، قال :« وإذا دار الأمْرُ بينهما؛ فالتَّأسيس أوْلى »، وفي إفْرَادِ هذا الوَجْهِ بالتَّأسيس دُونَ بَقِيَّةِ الأوْجُه نظرٌ لا يَخْفى.
قوله :« فِي الكِتَابِ » يجوزُ فيه ثلاثةُ أوْجُهٍ :
أحدها : أنه مُتَعَلِّقٌ ب « يُتْلى ».
والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحْذُوفٍ على أنه حَالٌ من الضَّمِير المُسْتَكِنِّ في « يُتْلى ».
والثالث : أنه خَبَر « مَا يُتْلى » عَلَى الوَجْه الصَّائِر إلى أنَّ « مَا يُتْلى » مبتدأ، فيتعلق بمَحْذُوف أيضاً، إلاَّ أنَّ مَحَلَّه على هذا الوجهِ رفعٌ، وعلى ما قَبْلَه نصبٌ. قوله :« فِي يَتَامَى النسآء » يجوزُ فيه ثلاثةُ أوْجُهٍ :
أحدُها : أنه بَدلٌ من « الكِتَاب » وهو بدلُ اشْتِمَالٍ، ولا بد مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ، أي : في حُكْم يَتَامَى، ولا شك أن الكِتابَ مشتملٌ على ذِكْرِ أحكامِهِن.
والثاني : أن يتعلَّق ب « يُتْلَى ».
فإن قيل : كيف يجُوزُ تعلُّقُ حَرْفَيْ جرٍّ بلفظ وَاحِدٍ، ومعنى واحِدٍ؟
فالجوابُ أنَّ مَعْنَاهما مُخْتَلفٌ، لأن الأولى للظَّرْفية على بابها، والثانية بمعنى البَاءِ، للسببية مَجَازاً، أو حقيقةً عِنْد مَنْ يقولُ بالاشتراك.
وقال أبو البقاء : كما تَقُولُ :« جئتُك في يوم الجُمْعَة في أمْرِ زَيْدٍ ».
والثالث : أنه بَدَل من « فِيهِنَّ » بإعادة العَامِل، ويكون هذا بَدَل بَعْض من كُلٍّ.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ :« فإنْ قُلْت : بِمَ تعلَّق قوله :﴿ في يتامى النِّسَاء؟ ﴾ قلت : في الوَجْه الأوَّل هو صِلَةُ » يُتْلى « أي : يُتْلى عَلَيْكُم في مَعنَاهُنَّ، ويجُوز أن يكُون » في يتامى « بَدَلاً من » فيهنَّ «، وأما في الوَجْهَيْن الأخِيرَيْن فبدلٌ لا غير » انتهى، يَعْنِي بالوجْه الأول : أن يكون « مَا يُتْلَى » مَرْفُوعَ المَحَلِّ.