واختلفوا فيما إذا ادَّعى الوصيُّ بعد بلوغ اليتيم أنَّه دفع المال إليه هل يصدَّق؟
أو قال أنْفَقْتُ عليه المالَ في صغر؟ فقال مالكٌ والشَّافعيُّ : لا يصدَّقُ.
وقال أبو حنيفة :« يصدَّقُ ».
قوله :﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾.
في « كفى » قولان :
أحدهما : أنَّها اسم فعل.
والثاني : وهو الصَّحيح - إنها فعلٌ، وفي فاعلها قولان :
الأول : وهو الصَّحيح أنَّهُ المجرور بالباء، والباء زائدة فيه وفي فاعل مضارعه نحو :﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] باطِّراد فقال أبُو البقاء : زيدت لتدلَّ على معنى الأمر إذ التقدير : اكتف بالله، وهذا القول سبقه إليه مَكِي والزَّجاجُ فإنه قال : دَخَلَتْ الباءُ في الفاعل؛ لأن معنى الكلام الأمرُ أي : الباء ليست بزائدة، وهو كلامٌ غيرُ صحيح؛ لأنه من حيث المعنى الذي قدَّره يكون الفاعل هم المخاطبين، و « بالله » متعلّق به، ومن حيث كون « الباء » دخلت في الفاعل يكون الفاعل هو اللهُ تعالى، فيتناقض. وفي كلام ابن عطية نحو من قوله أيضاً فإنه قال :« بالله » في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض، وفائدة زيادته تبيَّن معنى الأمر في صورة الخَبَرِ أي : اكتفوا بالله، « فالباء » تدل على المراد من ذلك، وفي هذا ما رُدَّ به على الزَّجَّاجِ، وزيادة جَعْلِ الحرف زائداً وغير زائدٍ.
والثاني : أنَّه مضمر والتَّقديرُ : كفى الاكتفاء و « بالله » على هذا في موضع نصب؛ لأنه مفعول به في المعنى، وهذا رأي ابن السَّراج، وَرُدَّ هذا بأن إعمال المصدر المحذوف لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة كقوله :[ البسيط ]

١٧٥٨- هَلْ تَذْكُرُونَ إلَى الدَّيْرَينِ هجْرَتَكُمْ وَمَسْحَكُمْ صُلْبَكُمْ رَحْمَانُ قُرْبَاناً
أي قولكم : يا رحمان قرباناً، وقَالَ أبو حيان : وقيل : الفاعِلُ مضمر، وهو ضمير الاكتفاء أي : كفى هو أيْ : الاكتفاء، و « الباء » ليست زائدة، فيكون في موضع نصب ويتعلق أنذاك بالفاعل، وهذا الوجه لا يسوغ على مذهب البصريين، لأنه لا يجوز عندهم إعْمَالُ المصدر مضمراً، وإن عني بالإضمار الحذف امتنع عندهم أيضاً لوجهين : حذف الفاعل، وإعمال المصدر محذوفاً وإبقاء معموله، وفيه نظرٌ؛ إذْ لقائل أن يقول : إذا قلنا بأن فاعل « كفى » مضمر لا نعلق « بالله » بالفاعل حتّى يلزم ما ذكر بل نعلقه بنفس الفعل كما تقدَّمَ.
وقال ابْن عيسى : إنَّما دخلت الباء في « كفى بالله » ؛ لأنَّهُ كان يتصل اتَّصال الفاعل [ وبدخول الباء اتصل ] اتصالَ المضافِ، واتَّصال الفاعل، لأنَّ الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره فضوعِفَ لفظها لمضاعفة معناها، ويحتاج إلى فكر.
قوله :﴿ حَسِيباً ﴾ فيه وجهان :
أصحهما : أنه تمييز يدلُّ على ذلك صلاحيَّة دخول « مِنْ » عليه، وهي علامة التمييز.
والثَّاني : أنه حال.
و « كفى » ها هنا متعدّية لواحد، وهو محذوف تقديره :« وكفاكم الله ».
وقال أبُو البَقَاءِ :« وكفى » يتعدَّى إلى مفعولين حُذِفَا هنا تقديره : كفاك اللهُ شرَّهم بدليل قوله :﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ] والظاهر أن معناها غيرُ معنى هذه.
قال أبو حيّان بعد أن ذكر أنها متعدية لواحد : وتأتي بغير هذا المعنى متعدية إلى اثنين كقوله :﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ] وهو محل نظر.
قال ابن الأنباري والأزهري : يحتمل أن يكون الحَسِيبُ بمعنى المحاسب، وأن يكون بمعنى الكافي، فمن الأول قولهم للرَّجل تهديداً : حَسْبُهُ اللهُ، [ ومعناه : يحاسبه ] الله على ما يفعل من الظُّلم، ومن الثَّاني قولهم : حسبك الله، أي : كافيك الله وهذا وعيد سواء فسَّرنا الحسيب بالمحاسب، أو بالكافي.


الصفحة التالية
Icon