انتهى.
وهذا لا ضرورةَ تدْعُوا إليه، ومجيءُ « لو » بِمَعْنى :« إنْ » شَيْء أثبته بعضهم على قِلَّة، فلا يَنْبَغي أن يُحْمَل القُرآنُ عليه.
وقال ابْن عَطِيَّة :« عَلى أنْفُسِكُم » متعلِّقٌ ب « شهداء ».
قال أبو حيان « فإنْ عَنَى ب » شُهَدَاءَ « المَلْفُوظ به، فلا يَصِحُّ، وإن عَنَى به ما قَدَّرْناه نَحْن، فيصِحُّ » يعني : تقديره :« لو » بمعنى :« إنْ » وحَذْفَ « كان »، واسمِها، وخبرها بَعْد « لو »، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَلِيلٌ، فلم يبق إلا انَّ ابن عَطِيّة يريد « شُهَداءَ » مَحْذُوفةً؛ كما قَدَّرْتُه لك أولاً، نحو :« ولو كُنْتُم شُهَدَاء » على أنفسكم، لوجَبَ عليْكُم أن تَشْهَدُوا.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :« ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنفسكُم » فجَعَل « كَان » مُقَدَّرةً وهي تَحْتَمِلُ في تَقْدِيره التَّمَام والنُّقْصَان : فإنْ قدَّرْتَها تَامةً، كان قوله « على أنْفُسِكُم » متعلِّقاً بنفسِ الشَّهَادة، ويكون المَعْنَى :« ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنْفُسِكُم » وإن قدَّرْتَها نَاقِصَةً، فيجوزُ أنْ يكون « على أنْفُسِكُم » متعلِّقاً بمَحْذُوفٍ على أنَّه خَبرُهَا، ويجُوز أن يكُون متعلِّقاً بنفس الشَّهادة، وحينئذ يكُون الخَبَر مقدَّراً، والمَعْنَى :« ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنْفُسِكُم موجُودةً » إلا أنَّه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا « على أنْفُسِكُم » متعلِّقاً بالشَّهادة، حذفُ المَصْدرِ وإبقاءُ معْمُولِه، وهو قليل أو مُمْتَنِع، وقال أيضاً :« ويجُوز أن يكُون المَعْنَى : وإن كانتِ الشَّهَادة على أنْفُسِكُم ».
ورَدَّ عليه [ أبو حيَّان ] هَذَيْن الوجْهَيْنِ فقال :« وتقديرُه : ولو كانت الشَّهادة على أنْفُسِكُم ليس بجيِّد؛ لأن المحْذُوفَ إنما يكون من جِنْس المَلْفُوظ به؛ ليدلَّ عليه، فإذا قُلْت :» كن مُحْسِناً، ولو لمَنْ أساء إليك «، فالتقدير : ولو كنت مُحْسِناً لمَنْ أساء، ولو قَدَّرْتَه :» ولو كان إحْسَانُك « لم يكن جَيِّداً؛ لأنك تَحْذِف ما لا دلالة عليه بِلَفْظٍ مُطَابِقٍ ».
وهذا الردُّ لَيْس بشيء، فإن الدِّلالة اللَّفظِيّة موجودةٌ؛ لاشتراكِ المَحْذُوفِ والمَلْفُوظ به في المَادَّة، ولا يَضُرُّ اختلافُهما في النَّوْع.
وقال في الوجه الثاني :« وهذا لا يجُوز؛ لأن ما تعلَّق به الظَّرْف كونٌ مقيدٌ، والكونُ المُقَيَّد لا يجُوز حَذْفُه، بل المُطْلَقُ، لو قلت : كَان زَيْد فِيك، تعني : مُحِبّاً فيك، لَمْ يَجُز ».
وهذا الرَدُّ أيضاً لَيْس بِشَيْءٍ؛ لأنه قصد تَفْسير المَعْنَى، ومبادئُ النَّحْو لا تَخْفَى على آحادِ الطَّلبة، فكيف بِشَيْخِ الصِّنَاعَة.
فصل
شَهَادة الإنْسَان على نَفْسِه لها تَفْسِيران :
أحدُهما : أن يُقِرَّ عَلَى نَفْسه؛ لأن الإقْرَار كالشَّهَادَةِ في كونه مُوجِباً إلْزَام الحَقِّ.
الثاني : أن يكون المُرَادُ : ولو كَانَت الشَّهَادة وبالاً على أنْفُسِكُم، أو على الوالدين والأقْرَبين، فأقِيمُوها عليْهم، ولا تُحابُوا غَنِيّاً لِغِنَاهُ، ولا ترحموا فقيراً لِفَقْرِهِ، وهو قوله :﴿ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فالله أولى بِهِمَا ﴾ أي : أقِيمُوا على المَشْهُود عليه وإن كان غَنِيّاً وللمَشْهُود له وإن كان فقيراً، فاللَّه أوْلى بِهِمَا منكم، أي : كِلُوا أمْرَهُم إلى اللَّه - تعالى -.