﴿ أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ] فأيُّهُمَا أشَدُّ عَذَاباً : المُنَافِقُون، أم آل فِرْعوْن؟
وأجَابَ : بأنَّهُ يحتمل أنَّ أشَدَّ العذاب إنَّما يكُون في الدَّرْكِ الأسْفَلِ، وقد اجْتَمَع فيه الفَريقَانِ.
فصل لماذا كان المنافقون أشد عذاباً من الكفار؟
إنَّما كان المُنَافِقُون أشَدّ عَذَاباً من الكُفَّارِ؛ لأنَّهم مِثْلهم في الكُفْر، وضَمُّوا إليه نَوْعاً آخَرَ من الكُفْرِ، وهو الاسْتِهْزَاء بالإسْلامِ [ وأهْلِه أيضاً فإنّهم يُظْهِرُون الإسْلاَم ] ؛ ليَتَمَكَّنُوا من الاطِّلاعِ على أسْرَار المُسْلِمِين ثُمَّ يُخْبِرُون الكُفَّار بذلك فتتضاعف المِحْنَة.
قوله :﴿ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ مانعاً من العذاب.
واحْتَجُّوا بهَذِهِ الآيَةِ على إثْبَات الشَّفَاعةِ للفُسَّاقِ من المُسْلِمِين؛ لأنه - تعالى - خَصَّ المُنَافِقِين بهذا التَّهْدِيدِ، ولو كَانَ ذلك حَاصِلاً لِغَيْر المُنَافِقِين، لم يَكُنْ ذلك زَجْراً عن النِّفَاقِ من حَيْثُ إنَّه نِفَاقٌ، ولَيْس هذا اسْتِدْلاَلاً بِدَلِيلِ الخِطَابِ، بل وجْه الاستدلالِ فيه؛ أنه - تعالى - ذَكَرَهُ في مَعْرِضِ الزَّجْرِ عن النِّفَاقِ، فلو حَصَل ذلك مع عَدَمِهِ، لم يَبْقَ زَجْراً عَنْه من حَيْث إنَّه نِفَاقٌ.
قوله :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ ﴾ : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوبٌ على الاستثناء من قوله :« إِنَّ المُنَافِقِينَ ».
الثاني : أنه مستثنىً من الضمير المجْرُورِ في « لَهُمْ ».
الثالث : أنه مبتدأ، وخبرُه الجملةُ من قوله :﴿ فأولئك مَعَ المؤمنين ﴾، قيل : ودَخَلَتِ الفاءُ في الخبرِ؛ لشبه المبتدأ باسم الشرط، قال أبو البقاء ومكي وغيرُهما :« مَعَ المُؤمنينَ » خبرُ « أولَئِكَ »، والجملةُ خبر « إِلاَّ الَّذِينَ »، والتقدير : فأولئك مؤمنون مع المُؤمِنِينَ، وهذا التقديرُ لا تقتضيه الصناعةُ، بل الذي تقتضيه الصناعةُ : أن يُقَدَّر الخبرُ الذي يتعلَّق به هذا الظرف شيئاً يليقُ به، وهو « فأولئِكَ مُصَاحِبُونَ أو كائِنونَ أو مستقرُّون » ونحوه، فتقدِّرُه كوناً مطلقاً، أو ما يقاربه.
فصل
معنى الآية ﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ ﴾ : من النِّفَاقِ وآمَنُوا، « وأَصْلَحُوا » أعْمَالَهُم، « واعْتَصَمُوا باللَّهِ » ووثِقُوا باللَّهِ، ﴿ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ ﴾ وأراد الإخلاَصِ بالقَلْبِ؛ لأن النِّفَاقَ كُفْر القَلْبِ، فَزَوالُهُ يكُونُ بإخلاصِ القَلْبِ، فإذا حَصَلَت هذه الشُّروط، فِعنْدَها قال :﴿ فأولئك مَعَ المؤمنين ﴾، ولم يَقُلْ : فأولئَك مُؤمِنُون.
قال الفَرَّاء : معناه : فَأولَئِك من المُؤمِنِين.
قوله :« وَسَوْفَ يُؤْتِ الله [ المؤمنين أَجْراً عَظِيماً » ] رُسِمَتْ « يُؤتِ » دون « يَاءٍ » وهو مضارعٌ مرفوع، فحقُّ يائه أن تثبت لفظاً وخَطَّاً، إلا أنها حذفتْ لفظاً في الوصل؛ لالتقاء الساكنين [ وهما اليَاءُ في اللفظ واللام في الجلالة ] فجاءُ الرسمُ تابعاً للفظ، وله نظائرُ تقدَّم بعضها، والقراءُ يقفون عليه دون ياءٍ اتِّباعاً للرسْمِ، إلا يعقوب، فإنه يقف بالياء؛ نظراً إلى الأصل، ورُوي ذلك أيضاً عن الكسَائيِّ وحمزة، وقال أبو عَمْرو :« ينبغي ألاَّ يُوقفَ عليها؛ لأنَّه إنْ وُقِفَ عليها كما في الرسْمِ دون ياء خالَفَ النحويين، وإن وقف بالياء خالَفَ رسْم المصْحَف »، ولا بأسَ بما قالَ؛ لأن الوقْفَ ليس ضروريًّا، فإن اضْطُرَّ إليه واقفٌ؛ لقَطْعِ نفس ونحوه، فينبغي أن يُتابعَ الرسمُ؛ لأنَّ الأطرافَ قد كَثُر حَذفُهَا، ومِمَّا يشبه هذا الموضع قوله :