والثاني : أنه استثناءٌ منقطعٌ، تقديرُه : لكنْ مَنْ ظُلِمَ له أن ينتصفَ من ظالمه بما يوازِي ظُلامته، فتكون « مَنْ » في محلِّ نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
والجمهورُ على ﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ مبنياً للمفعول قال القرطبي : ويجوز إسْكان اللاَّم، وقرأ جماعة كثيرة منهم ابن عبَّاس وابن عمر وابن جبير والضحاك وزيد بن أسلم والحسن :« ظَلَمَ » مبنيًّا للفاعل، وهو استثناء منقطعٌ، فهو في محلِّ نصب على أصْل الاستثناء المنقطع، واختلفتْ عبارات العلماء في تقدير هذا الاستثناء، وحاصلُ ذلك يرجعُ إلى أحد تقديرات ثلاثة : إمَّا أن يكون راجعاً إلى [ الجملة الأولى؛ كأنه قيل : لا يحبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بالسوء، لكنَّ الظالمَ يُحِبُّهُ، فهو يَفعلُهُ، وإما أنْ يكون راجعاً ] إلى فاعل الجَهْر، أي : لا يحبُّ اللَّهُ أن يَجْهَرَ أحدٌ بالسُّوء [ لأحَدٍ ]، لكن الظالِمَ يَجْهَرُ به، [ وإمَّا أن يُجْهَرَ بالسُّوء لأحدٍ، لكن الظَّالِمَ يُجْهَرُ لَهُ به ]، أي : يُذكر ما فيه من المساوئ في وجهه، لعلَّه أن يرتدع، وكونُ هذا المستثنى في هذه القراءة منصوبَ المحلِّ على الانقطاع هو الصحيحُ، وأجاز ابن عطية والزمخشريُّ أن يكون في محلِّ رفع على البدلية، ولكن اختلف مدركهما.
فقال ابن عطية :« وإعرابُ » مَنْ « يحتملُ في بعض هذه التأويلاتِ النَّصْبَ، ويحتملُ الرفع على البدل من » أحَد « المقدَّر » يعني أحداً المقدَّر في المصدر؛ كما تقدَّم تحقيقه.
وقال الزمخشريُّ : ويجوز أن يكون « مَنْ » مرفوعاً؛ كأنه قيل : لا يحبُّ اللَّهُ الجهرَ بالسُّوء إلا الظالِمُ، على لغةِ من يقولُ :« مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إلاَّ عَمْرو » بمعنى : ما جَاءني إلاَّ عَمْرو « بمعنى : ما جَاءني إلاَّ عَمرٌو، ومنه


الصفحة التالية
Icon